responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 230
فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ شَرْعَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَفْسُ شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَاحِبَ شَرِيعَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِذَلِكَ.
قُلْنَا: يَجُوزُ أَنَّ تَكُونَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ دَاخِلَةً فِي مِلَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ اشْتِمَالِ هَذِهِ الْمِلَّةِ عَلَى زَوَائِدَ حَسَنَةٍ وَفَوَائِدَ جَلِيلَةٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَعَلُّقِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ/ لَمَّا بَلَغَ فِي عُلُوِّ الدَّرَجَةِ فِي الدِّينِ أَنِ اتَّخَذَهُ اللَّه خَلِيلًا كَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يَتَّبِعَ خُلُقَهُ وَطَرِيقَتَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَوَصَفَهُ بِكَوْنِهِ حَنِيفًا ثُمَّ قَالَ عَقِيبَهُ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا أَشْعَرَ هَذَا بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا اتَّخَذَهُ خَلِيلًا لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ الشَّرْعِ آتِيًا بِتِلْكَ التَّكَالِيفِ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا قَوْلُهُ وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [الْبَقَرَةِ: 124] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا جَعَلَهُ إِمَامًا لِلْخَلْقِ لِأَنَّهُ أَتَمَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ.
وإذا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: لَمَّا دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا كَانَ بِهَذَا الْمَنْصِبِ الْعَالِي وَهُوَ كَوْنُهُ خَلِيلًا للَّه تَعَالَى بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا بِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ كَانَ هَذَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ عَمِلَ بِهَذَا الشَّرْعِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَفُوزَ بِأَعْظَمِ الْمَنَاصِبِ فِي الدِّينِ، وَذَلِكَ يُفِيدُ التَّرْغِيبَ الْعَظِيمَ فِي هَذَا الدِّينِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا مَوْقِعُ قَوْلِهِ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا.
قُلْنَا: هَذِهِ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، وَنَظِيرُهُ مَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ مِنْ قَوْلِهِ:
وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ وَالْجُمْلَةُ الِاعْتِرَاضِيَّةُ مِنْ شَأْنِهَا تَأْكِيدُ ذَلِكَ الكلام، والأمر هاهنا كَذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرُوا فِي اشْتِقَاقِ الْخَلِيلِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّ خَلِيلَ الْإِنْسَانِ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ فِي خِلَالِ أُمُورِهِ وَأَسْرَارِهِ، وَالَّذِي دَخَلَ حُبُّهُ فِي خِلَالِ أَجْزَاءِ قَلْبِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَايَةُ فِي الْمَحَبَّةِ.
قِيلَ: لَمَّا أَطْلَعَ اللَّه إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْمَلَكُوتِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ وَدَعَا الْقَوْمَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إِلَى تَوْحِيدِ اللَّه، وَمَنَعَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ النَّجْمِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، وَمَنَعَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ثُمَّ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلنِّيرَانِ وَوَلَدَهُ لِلْقُرْبَانِ وَمَالَهُ لِلضِّيفَانِ جَعَلَهُ اللَّه إِمَامًا لِلْخَلْقِ وَرَسُولًا إِلَيْهِمْ، وَبَشَّرَهُ بِأَنَّ الْمُلْكَ وَالنُّبُوَّةَ فِي ذُرِّيَّتِهِ، فَلِهَذِهِ الِاخْتِصَاصَاتِ سَمَّاهُ خَلِيلًا، لِأَنَّ مَحَبَّةَ اللَّه لِعَبْدِهِ عِبَارَةٌ عَنْ إِرَادَتِهِ لِإِيصَالِ الْخَيْرَاتِ وَالْمَنَافِعِ إِلَيْهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي فِي اشْتِقَاقِ اسْمِ الْخَلِيلِ: أَنَّهُ الَّذِي يُوَافِقُكَ فِي خِلَالِكَ. أَقُولُ:
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّه»
فَيُشْبِهُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا بَلَغَ فِي هَذَا الْبَابِ مَبْلَغًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ لَا جَرَمَ خَصَّهُ اللَّه بِهَذَا التَّشْرِيفِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : إِنَّ الْخَلِيلَ هُوَ الَّذِي يُسَايِرُكَ فِي طَرِيقِكَ، مِنَ الْخَلِّ وَهُوَ الطَّرِيقُ فِي الرَّمْلِ، وَهَذَا الْوَجْهُ قَرِيبٌ مِنَ الْوَجْهِ الثَّانِي، أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى شِدَّةِ طَاعَتِهِ للَّه وَعَدَمِ تَمَرُّدِهِ فِي ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ عَنْ حُكْمِ اللَّه، كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ بِقَوْلِهِ إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ/ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْبَقَرَةِ: 131] .
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 230
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست