responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 218
ذَكَرَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ: الْأَمْرُ بِالصَّدَقَةِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّه هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَمَلَ الْخَيْرِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِيصَالِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ، أَمَّا إِيصَالُ الْخَيْرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الْمَالِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَيْرَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَكْمِيلِ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ بِالْعُلُومِ، أَوْ تَكْمِيلِ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ بِالْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ، وَمَجْمُوعُهُمَا عِبَارَةٌ عَنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ أَوْ مَعْرُوفٍ وَأَمَّا إِزَالَةُ الضَّرَرِ فَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ فَثَبَتَ أَنَّ مَجَامِعَ الْخَيْرَاتِ مَذْكُورَةٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كَلَامُ ابْنِ آدَمَ كُلُّهُ عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرٍ اللَّه»
وَقِيلَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: مَا أَشَدَّ هَذَا الْحَدِيثَ! فَقَالَ سُفْيَانُ: أَلَمْ تَسْمَعِ اللَّه يَقُولُ: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ فَهُوَ هَذَا بِعَيْنِهِ، أَمَا سَمِعْتَ اللَّه يَقُولُ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [الْعَصْرِ: 1، 2] فَهُوَ هَذَا بِعَيْنِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ مِنَ الطَّاعَاتِ وَإِنْ كَانَتْ فِي غَايَةِ الشَّرَفِ وَالْجَلَالَةِ إِلَّا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهَا/ إِذَا أَتَى بِهَا لِوَجْهِ اللَّه وَلِطَلَبِ مَرْضَاتِهِ، فَأَمَّا إِذَا أَتَى بِهَا لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ انْقَلَبَتِ الْقَضِيَّةُ فَصَارَتْ مَنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ رِعَايَةُ أَحْوَالِ الْقَلْبِ فِي إِخْلَاصِ النِّيَّةِ، وَتَصْفِيَةُ الدَّاعِيَةِ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَرَضٍ سِوَى طَلَبِ رِضْوَانِ اللَّه تَعَالَى وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الْبَيِّنَةِ: 5] وَقَوْلُهُ: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى [النَّجْمِ: 39]
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»
وهاهنا سؤالان:
السؤال الأول: لم انتصب ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ؟
وَالْجَوَابُ: لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، وَالْمَعْنَى لِأَنَّهُ لا لِابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّه.
السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ قَالَ إِلَّا مَنْ أَمَرَ ثُمَّ قَالَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ ذَكَرَ الْأَمْرَ بِالْخَيْرِ لِيَدُلَّ بِهِ عَلَى فَاعِلِهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْخَيْرِ لَمَّا دَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْخَيِّرِينَ فَبِأَنْ يَدْخُلَ فَاعِلُ الْخَيْرِ فِيهِمْ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ: وَمَنْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ، فَعَبَّرَ عَنِ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ الْأَمْرَ أَيْضًا فِعْلٌ مِنَ الْأَفْعَالِ.

[سورة النساء (4) : آية 115]
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (115)
اعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّقَ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا هُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ طُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ لَمَّا رَأَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى هَتَكَ سِتْرَهُ وَبَرَّأَ الْيَهُودِيَّ عَنْ تُهْمَةِ السَّرِقَةِ ارْتَدَّ وَذَهَبَ إِلَى مَكَّةَ وَنَقَبَ جِدَارَ إِنْسَانٍ لِأَجْلِ السَّرِقَةِ فَتَهَدَّمَ الْجِدَارُ عَلَيْهِ وَمَاتَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. أَمَّا الشِّقَاقُ وَالْمُشَاقَقَةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَقٍّ آخَرَ مِنَ الْأَمْرِ، أَوْ عَنْ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاعِلًا فِعْلًا يَقْتَضِي لُحُوقَ مَشَقَّةٍ بِصَاحِبِهِ، وَقَوْلُهُ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا ظَهَرَ لَهُ بِالدَّلِيلِ صِحَّةُ دِينِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: لِأَنَّ طُعْمَةَ هَذَا كَانَ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُ بِمَا أَوْحَى اللَّه تَعَالَى مِنْ أَمْرِهِ وَأَظْهَرَ مِنْ سَرِقَتِهِ مَا دَلَّهُ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَى الرَّسُولَ وَأَظْهَرَ الشِّقَاقَ وَارْتَدَّ عَنْ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست