responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 191
بِفَتْحِ الرَّاءِ، يُقَالُ: إِنَّ الدُّنْيَا عَرَضٌ حَاضِرٌ يَأْخُذُ مِنْهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَالْعَرْضُ بِسُكُونِ الرَّاءِ مَا سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَتَاعُ الدُّنْيَا عَرَضًا لِأَنَّهُ عَارِضٌ زَائِلٌ غَيْرُ بَاقٍ وَمِنْهُ يُسَمِّي الْمُتَكَلِّمُونَ مَا خَالَفَ الْجَوْهَرَ مِنَ الْحَوَادِثِ عَرَضًا لِقِلَّةٍ لُبْثِهِ، فَقَوْلُهُ: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ يَعْنِي ثَوَابًا كَثِيرًا، فَنَبَّهَ تَعَالَى بِتَسْمِيَتِهِ عَرَضًا عَلَى كَوْنِهِ سَرِيعَ الْفَنَاءِ قَرِيبَ الِانْقِضَاءِ، وَبِقَوْلِهِ: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ عَلَى أَنَّ ثَوَابَ اللَّه مَوْصُوفٌ بِالدَّوَامِ وَالْبَقَاءِ كَمَا قال: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ [مريم: 76] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ وَهَذَا يَقْتَضِي تَشْبِيهَ هَؤُلَاءِ الْمُخَاطَبِينَ بِأُولَئِكَ الَّذِينَ أَلْقَوُا/ السَّلَمَ، وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ هَذَا التَّشْبِيهَ فِيمَ وَقَعَ، فَلِهَذَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّكُمْ أَوَّلَ مَا دَخَلْتُمْ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا سَمِعْتُ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ حَقَنْتُ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ ذَلِكَ عَلَى حُصُولِ الْعِلْمِ بِأَنَّ قَلْبَكُمْ مُوَافِقٌ لِمَا فِي لِسَانِكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِأَنْ تَفْعَلُوا بِالدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا فُعِلَ بِكُمْ، وَأَنْ تَعْتَبِرُوا ظَاهِرَ الْقَوْلِ، وَأَنْ لَا تَقُولُوا إِنَّ إِقْدَامَهُمْ عَلَى التَّكَلُّمِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ لِأَجْلِ الْخَوْفِ مِنَ السَّيْفِ، هَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَفِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: مَا كَانَ إِيمَانُنَا مِثْلَ إِيمَانِ هَؤُلَاءِ، لِأَنَّا آمَنَّا عَنِ الطَّوَاعِيَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَهَؤُلَاءِ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَشْبِيهُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْمُرَادُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُخْفُونَ إِيمَانَكُمْ عَنْ قَوْمِكُمْ كَمَا أَخْفَى هَذَا الدَّاعِي إِيمَانَهُ عَنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ مَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ بِإِعْزَازِكُمْ حَتَّى أَظْهَرْتُمْ دِينَكُمْ، فَأَنْتُمْ عَامِلُوهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ، وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ إِخْفَاءَ الْإِيمَانِ مَا كَانَ عَامًّا فِيهِمْ. الثَّالِثُ: قَالَ مُقَاتِلٌ: الْمُرَادُ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قِبْلِ الْهِجْرَةِ حِينَ كُنْتُمْ فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ تَأْمَنُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه بِكَلِمَةِ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه» فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْ يَنْتَقِلُ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ فَفِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَحْدُثُ مَيْلٌ قَلِيلٌ بِسَبَبٍ ضَعِيفٍ، ثُمَّ لا يزال ذلك الميل يتأكد ويتوقى إِلَى أَنْ يَكْمُلَ وَيَسْتَحْكِمَ وَيَحْصُلَ الِانْتِقَالُ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ:
كُنْتُمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ إِنَّمَا حَدَثَ فِيكُمْ مَيْلٌ ضَعِيفٌ بِأَسْبَابٍ ضَعِيفَةٍ إِلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ بِالْإِسْلَامِ بِتَقْوِيَةِ ذَلِكَ الْمَيْلِ وَتَأْكِيدِ النَّفْرَةِ عَنِ الْكُفْرِ، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ كَمَا حَدَثَ فِيهِمْ مَيْلٌ ضَعِيفٌ إِلَى الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ هَذَا الْخَوْفِ فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ هَذَا الْإِيمَانَ، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يُؤَكِّدُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ وَيُقَوِّي تِلْكَ الرَّغْبَةَ فِي صُدُورِهِمْ، فهذا ما عندي فيه.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَفِيهِ احْتِمَالَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ يَكُونَ هَذَا مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ يَعْنِي إِيمَانُكُمْ كَانَ مِثْلَ إِيمَانِهِمْ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا عَرَفَ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْقَوْلِ اللِّسَانِيِّ دُونَ مَا فِي الْقَلْبِ، أَوْ فِي أَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ حَاصِلًا بِسَبَبٍ ضَعِيفٍ، ثُمَّ مَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ حَيْثُ قَوَّى نُورَ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ وَأَعَانَكُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ هَذَا مُنْقَطِعًا عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا قَتَلُوا مَنْ تَكَلَّمَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَهَاهُمْ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ مِنَ الْعَظَائِمِ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَيْ مَنَّ عَلَيْكُمْ بِأَنْ/ قَبِلَ تَوْبَتَكُمْ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُنْكَرِ.
ثُمَّ أَعَادَ الْأَمْرَ بِالتَّبْيِينِ فَقَالَ: فَتَبَيَّنُوا وَإِعَادَةُ الْأَمْرِ بِالتَّبْيِينِ تَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّحْذِيرِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً وَالْمُرَادُ مِنْهُ الوعيد والزجر عن الإظهار بخلاف الإضمار.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 191
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست