responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 7
وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [الْبَقَرَةِ: 67] وَقَدْ يَقُولُ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ حَالَ مَا يَذُمُّهُ عَلَى فِعْلٍ: يَا جَاهِلُ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا، وَالسَّبَبُ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الْجَاهِلِ عَلَى الْعَاصِي لِرَبِّهِ أَنَّهُ لَوِ اسْتَعْمَلَ مَا مَعَهُ مِنَ الْعِلْمِ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَمَا أَقْدَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَسْتَعْمِلْ ذَلِكَ الْعِلْمَ صَارَ كَأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ، فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ سُمِّيَ الْعَاصِي لِرَبِّهِ جَاهِلًا، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَعْصِيَةُ سَوَاءٌ أَتَى بِهَا الْإِنْسَانُ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً أَوْ مَعَ الْجَهْلِ بِذَلِكَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ الْجَهَالَةِ: أَنْ يَأْتِيَ الْإِنْسَانُ بِالْمَعْصِيَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِقَدْرِ عِقَابِهِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا أَقْدَمَ عَلَى مَا لَا يَنْبَغِي مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي إِلَّا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَا يَحْصُلُ فِي عَاقِبَتِهِ مِنَ الْآفَاتِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ: إِنَّهُ جَاهِلٌ بِفِعْلِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَ الإنسان بالمعصية مع أنه لا يعلم كونه مَعْصِيَةً لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنَ العلم بكونه مَعْصِيَةً، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ، وَلِهَذَا/ الْمَعْنَى أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْيَهُودِيَّ يَسْتَحِقُّ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ الْعِقَابَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ كَوْنَ الْيَهُودِيَّةِ مَعْصِيَةً، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْيَهُودِيَّةِ ذَنْبًا وَمَعْصِيَةً، كَفَى ذَلِكَ فِي ثُبُوتِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ، وَيَخْرُجُ عَمَّا ذَكَرْنَا النَّائِمُ وَالسَّاهِي، فَإِنَّهُ أَتَى بِالْقَبِيحِ وَلَكِنَّهُ مَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ قَبِيحًا، وَهَذَا الْقَوْلُ رَاجِحٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ لَفْظَ الْجَهَالَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، إِلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْآيَةِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ الْقَبِيحَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قُبْحَهُ، أَمَّا الْمُتَعَمِّدُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ حَالُهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ التَّوْبَةُ عَلَى هَذَا الْجَاهِلِ وَاجِبَةً، فَلَأَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً عَلَى الْعَامِدِ كَانَ ذَلِكَ أَوْلَى، فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ مِنْ شَرَائِطِ التَّوْبَةِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي فَهُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْقُرْبِ حُضُورُ زَمَانِ الْمَوْتِ وَمُعَايَنَةُ أَهْوَالِهِ، وَإِنَّمَا سَمَّى تَعَالَى هَذِهِ الْمُدَّةَ قَرِيبَةً لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَجَلَ آتٍ وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ. وَثَانِيهَا: لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ عُمْرِ الْإِنْسَانِ وَإِنْ طَالَتْ فَهِيَ قَلِيلَةٌ قَرِيبَةٌ فَإِنَّهَا مَحْفُوفَةٌ بِطَرَفَيِ الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ، فَإِذَا قَسَّمْتَ مُدَّةَ عُمْرِكَ إِلَى مَا عَلَى طَرَفَيْهَا صَارَ كَالْعَدَمِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَوَقَّعُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ نُزُولَ الْمَوْتِ بِهِ، وَمَا هَذَا حَالُهُ فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِالْقُرْبِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى «مِنْ» فِي قَوْلِهِ: مِنْ قَرِيبٍ.
الْجَوَابُ: أَنَّهُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، أَيْ يَجْعَلُ مُبْتَدَأَ تَوْبَتِهِ زَمَانًا قَرِيبًا مِنَ الْمَعْصِيَةِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي زُمْرَةِ الْمُصِرِّينَ، فَأَمَّا مَنْ تَابَ بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ بِزَمَانٍ بَعِيدٍ وَقَبْلَ الْمَوْتِ بِزَمَانٍ بَعِيدٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ خَارِجًا عَنِ الْمَخْصُوصِينَ بِكَرَامَةِ حَتْمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ عَلَى اللَّه بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ وَبِقَوْلِهِ: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَمَنْ لَمْ تَقَعْ تَوْبَتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْعُودِينَ بِكَلِمَةِ «عَسَى» فِي قَوْلِهِ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التَّوْبَةِ:
102] وَلَا شَكَّ أَنَّ بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ مِنَ التَّفَاوُتِ مَا لَا يَخْفَى. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ التَّبْعِيضُ، أَيْ يَتُوبُونَ بَعْضَ زَمَانٍ قَرِيبٍ، كَأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى مَا بَيْنَ وُجُودِ الْمَعْصِيَةِ وَبَيْنَ حُضُورِ الْمَوْتِ زَمَانًا قَرِيبًا، فَفِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ هَذَا الزَّمَانِ أَتَى بِالتَّوْبَةِ فَهُوَ تَائِبٌ مِنْ قَرِيبٍ، وَإِلَّا فَهُوَ تَائِبٌ مِنْ بَعِيدٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ قَالَ: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 7
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست