responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 143
وَيَقُولُونَ: ائْذَنْ لَنَا فِي قِتَالِهِمْ وَيَقُولُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنِّي لَمْ أُومَرْ بِقِتَالِهِمْ، وَاشْتَغِلُوا بِإِقَامَةِ دِينِكُمْ/ مِنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأُمِرُوا بِقِتَالِهِمْ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ كَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَةَ.
وَاحْتَجَّ الذَّاهِبُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الَّذِينَ يَحْتَاجُ الرَّسُولُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: كُفُّوا عَنِ الْقِتَالِ هُمُ الرَّاغِبُونَ فِي الْقِتَالِ، وَالرَّاغِبُونَ فِي الْقِتَالِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَازِلَةٌ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّا مُؤْمِنُونَ وَأَنَّا نُرِيدُ قِتَالَ الْكُفَّارِ وَمُحَارَبَتَهُمْ، فَلَمَّا أَمَرَ اللَّه بِقِتَالِهِمُ الْكُفَّارَ أَحْجَمَ الْمُنَافِقُونَ عَنْهُ وَظَهَرَ مِنْهُمْ خِلَافُ مَا كَانُوا يَقُولُونَهُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ نَازِلَةٌ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ، وَاحْتَجَّ الذَّاهِبُونَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أُمُورٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمُنَافِقِينَ. فَالْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي وَصْفِهِمْ: يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [النساء: 77] وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْمُنَافِقِ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَوْفُهُ مِنَ النَّاسِ أَزْيَدَ مِنْ خَوْفِهِ مِنَ اللَّه تَعَالَى. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ، وَالِاعْتِرَاضُ عَلَى اللَّه لَيْسَ إِلَّا مِنْ صِفَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِلرَّسُولِ: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَهَذَا الْكَلَامُ يُذْكَرُ مَعَ مَنْ كَانَتْ رَغْبَتُهُ فِي الدُّنْيَا أَكْثَرَ مِنْ رَغْبَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ.
وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ حُبَّ الْحَيَاةِ وَالنُّفْرَةَ عَنِ الْقَتْلِ مِنْ لَوَازِمِ الطِّبَاعِ، فَالْخَشْيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُمْ: لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّمَنِّي لِتَخْفِيفِ التكليف لا على وجه الإنكار لا يجاب اللَّه تَعَالَى، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ مَذْكُورٌ لَا لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا مُنْكِرِينَ لِذَلِكَ، بَلْ لِأَجْلِ إِسْمَاعِ اللَّه لَهُمْ هَذَا الْكَلَامَ مِمَّا يُهَوِّنُ عَلَى الْقَلْبِ أَمْرَ هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَحِينَئِذٍ يَزُولُ مِنْ قَلْبِهِمْ نُفْرَةُ الْقِتَالِ وَحُبُّ الْحَيَاةِ وَيُقْدِمُونَ عَلَى الْجِهَادِ بِقَلْبٍ قَوِيٍّ، فَهَذَا مَا فِي تَقْرِيرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ واللَّه أَعْلَمُ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَهُ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ [النساء: 78] وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُنَافِقِينَ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَعْطُوفَةً عَلَى الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ فِي تَفْسِيرِهَا ثُمَّ الْمَعْطُوفُ فِي الْمُنَافِقِينَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِمْ فِيهِمْ أَيْضًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ إِيجَابَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى إِيجَابِ الْجِهَادِ، وَهَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ الْمُطَابِقُ لِمَا فِي الْعُقُولِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّه، وَالزَّكَاةَ عِبَارَةٌ عَنِ الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّه، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا مُقَدَّمَانِ عَلَى الْجِهَادِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: كَخَشْيَةِ اللَّهِ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً يُوهِمُ الشَّكَّ، وَذَلِكَ عَلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ مُحَالٌ. وَفِيهِ وُجُوهٌ مِنَ التَّأْوِيلِ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِبْهَامُ عَلَى الْمُخَاطَبِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ عَلَى إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ مِنَ الْمُسَاوَاةِ وَالشِّدَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ خَوْفَيْنِ فَأَحَدُهُمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخَرِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَنْقَصَ أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ أَزْيَدَ فَبَيَّنَ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ خَوْفَهُمْ مِنَ النَّاسِ لَيْسَ أَنْقَصَ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنَ اللَّه، بَلْ بَقِيَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا أَوْ أَزْيَدَ، فَهَذَا لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ تَعَالَى شَاكًّا فِيهِ، بَلْ يُوجِبُ إِبْقَاءَ الْإِبْهَامِ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ عَلَى الْمُخَاطَبِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ «أو»
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 143
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست