responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 105
لِجَمِيعِ مَا أَنْعَمَ اللَّه تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ دَخَلَ هَذَا أَيْضًا تَحْتَهُ، فَأَمَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَصْرِ عَلَيْهِ فَبَعِيدٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ كَثْرَةَ نِعَمِ اللَّه عَلَيْهِ صَارَتْ سَبَبًا لِحَسَدِ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ بَيَّنَ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ فَقَالَ:
فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [النساء: 54] وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَصَلَ فِي أَوْلَادِ إِبْرَاهِيمَ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ جَمَعُوا بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ، وَأَنْتُمْ لَا تَتَعَجَّبُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا تَحْسُدُونَهُ، فَلِمَ تَتَعَجَّبُونَ مِنْ حَالِ مُحَمَّدٍ وَلِمَ تَحْسُدُونَهُ؟
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَ إِشَارَةٌ إِلَى ظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ وَالْحِكْمَةَ إِشَارَةٌ إِلَى أَسْرَارِ الْحَقِيقَةِ، وَذَلِكَ هُوَ كَمَالُ الْعِلْمِ، وَأَمَّا الْمُلْكُ الْعَظِيمُ فَهُوَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْكَمَالَاتِ الْحَقِيقِيَّةَ لَيْسَتْ إِلَّا الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ، فَهَذَا الْكَلَامُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ آتَاهُمْ أَقْصَى مَا يَلِيقُ بِالْإِنْسَانِ مِنَ الْكَمَالَاتِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَبْعَدًا فِيهِمْ لَا يَكُونُ مُسْتَبْعَدًا فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَمَّا اسْتَكْثَرُوا نِسَاءَهُ قيل لهم: كيف استكثرتهم لَهُ التِّسْعَ، وَقَدْ كَانَ لِدَاوُدَ مِائَةٌ وَلِسُلَيْمَانَ ثَلَاثُمِائَةٍ بِالْمَهْرِ وَسَبْعُمِائَةِ سُرِّيَّةٍ؟
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى «بِهِ» فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ آمَنَ بَعْضُهُمْ وَبَقِيَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالْإِنْكَارِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَالْمَعْنَى أَنَّ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءَ مَعَ مَا خَصَصْتُهُمْ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ جَرَتْ عادت أُمَمِهِمْ فِيهِمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ آمَنَ بِهِ وَبَعْضَهُمْ بَقُوا عَلَى الْكُفْرِ، فَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ لَا تَتَعَجَّبْ مِمَّا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ، فَإِنَّ أَحْوَالَ جَمِيعِ الْأُمَمِ مَعَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ هَكَذَا كَانَتْ، وَذَلِكَ تَسْلِيَةٌ مِنَ اللَّه لِيَكُونَ أَشَدَّ صَبْرًا عَلَى مَا يَنَالُ مِنْ قِبَلِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ: وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً أَيْ كَفَى بِجَهَنَّمَ فِي عَذَابِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ. سَعِيرًا، وَالسَّعِيرُ الْوَقُودُ، يُقَالُ أَوْقَدْتُ النَّارَ وَأَسْعَرْتُهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

[سورة النساء (4) : آية 56]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56)
اعْلَمْ أنه تعالى بعد ما ذَكَرَ الْوَعِيدَ بِالطَّائِفَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بَيَّنَ مَا يَعُمُّ الْكَافِرِينَ مِنَ الْوَعِيدِ فَقَالَ:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يَدْخُلُ فِي الْآيَاتِ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتِ اللَّه وَأَفْعَالِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْكُتُبُ وَالرُّسُلُ، وَكُفْرُهُمْ بِالْآيَاتِ لَيْسَ يَكُونُ بِالْجَحْدِ، لَكِنْ بِوُجُوهٍ، مِنْهَا أَنْ يُنْكِرُوا كَوْنَهَا آيَاتٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَغْفُلُوا عَنْهَا فَلَا يَنْظُرُوا فِيهَا. وَمِنْهَا أَنْ يُلْقُوا الشُّكُوكَ وَالشُّبُهَاتِ فِيهَا. وَمِنْهَا: أَنْ يُنْكِرُوهَا مَعَ الْعِلْمِ بِهَا عَلَى سَبِيلِ الْعِنَادِ وَالْحَسَدِ، وَأَمَّا حَدُّ الْكُفْرِ وَحَقِيقَتُهُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ [الْبَقَرَةِ: 6] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ سِيبَوَيْهِ: «سَوْفَ» كَلِمَةٌ تُذْكَرُ لِلتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، يُقَالُ: سَوْفَ أَفْعَلُ، وَيَنُوبُ عنها حرف
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 105
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست