responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 101
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً وَإِنَّمَا يُقَالُ: كَفَى بِهِ فِي التَّعْظِيمِ عَلَى جِهَةِ الْمَدْحِ أَوْ عَلَى جِهَةِ الذَّمِّ، أَمَّا فِي الْمَدْحِ فَكَقَوْلِهِ: وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً [النِّسَاءِ: 45] وَأَمَّا فِي الذَّمِّ فَكَمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَقَوْلُهُ: إِثْماً مُبِيناً مَنْصُوبٌ على التمييز.

[سورة النساء (4) : الآيات 51 الى 52]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52)
[أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْيَهُودِ نَوْعًا آخَرَ مِنَ الْمَكْرِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُفَضِّلُونَ عَبَدَةَ الْأَصْنَامِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَكَانَ إِقْدَامُهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِمَحْضِ الْعِنَادِ وَالتَّعَصُّبِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
رُوِيَ أَنَّ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ وَكَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيَّيْنِ خَرَجَا إِلَى مَكَّةَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْيَهُودِ يُحَالِفُونَ قُرَيْشًا عَلَى مُحَارَبَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: أَنْتُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَأَنْتُمْ أَقْرَبُ إِلَى مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ إِلَيْنَا فَلَا نَأْمَنُ مَكْرَكُمْ، فَاسْجُدُوا لِآلِهَتِنَا حَتَّى تَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ. فَهَذَا إِيمَانُهُمْ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، لِأَنَّهُمْ سَجَدُوا لِلْأَصْنَامِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْحَنُ أَهْدَى سَبِيلًا أَمْ محمد؟ فقال كعب: ماذا يقول محمد؟ يَأْمُرُ بِعِبَادَةِ اللَّه وَحْدَهُ وَيَنْهَى عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَتَرَكَ دِينَ آبَائِهِ، وَأَوْقَعَ الْفُرْقَةَ. قَالَ: وَمَا دِينُكُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ وُلَاةُ الْبَيْتِ نَسْقِي الْحَاجَّ وَنَقْرِي الضَّيْفَ وَنَفُكُّ الْعَانِي وَذَكَرُوا أَفْعَالَهُمْ، فَقَالَ: أَنْتُمْ أَهْدَى سَبِيلًا.
فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ:
لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [النِّسَاءِ: 51] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ الناس في الجبت والطاغوت، وذكروا فيه وجوه: الْأَوَّلُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: كُلُّ مَعْبُودٍ دُونَ اللَّه فَهُوَ جِبْتٌ وَطَاغُوتٌ، ثُمَّ زَعَمَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْجِبْتَ لَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي اللُّغَةِ. وَحَكَى الْقَفَّالُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْجِبْتَ أَصْلُهُ جِبْسٌ، فَأُبْدِلَتِ السِّينُ تَاءً، وَالْجِبْسُ هُوَ الْخَبِيثُ الرَّدِيءُ، وَأَمَّا الطَّاغُوتُ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الطُّغْيَانِ، وَهُوَ الْإِسْرَافُ فِي الْمَعْصِيَةِ، فَكُلُّ مَنْ دَعَا إِلَى الْمَعَاصِي الْكِبَارِ لَزِمَهُ هَذَا الِاسْمُ، ثُمَّ تَوَسَّعُوا فِي هَذَا الِاسْمِ حَتَّى أَوْقَعُوهُ عَلَى الْجَمَادِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ [إِبْرَاهِيمَ: 35، 36] فَأَضَافَ الْإِضْلَالَ إِلَى الْأَصْنَامِ مَعَ أَنَّهَا جَمَادَاتٌ. الثَّانِي: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» :
الْجِبْتُ الْأَصْنَامُ وَكُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّه، وَالطَّاغُوتُ الشَّيْطَانُ. الثَّالِثُ: الْجِبْتُ الْأَصْنَامُ، وَالطَّاغُوتُ تَرَاجِمَةُ الْأَصْنَامِ يُتَرْجِمُونَ لِلنَّاسِ عَنْهَا الْأَكَاذِيبَ فَيُضِلُّونَهُمْ بِهَا، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. الرَّابِعُ: رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْجِبْتُ الْكَاهِنُ، وَالطَّاغُوتُ السَّاحِرُ. الْخَامِسُ: قَالَ الْكَلْبِيُّ: الْجِبْتُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَالطَّاغُوتُ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِمَا، فَسُمِّيَا بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ لِسَعْيِهِمَا فِي إِغْوَاءِ/ النَّاسِ وَإِضْلَالِهِمْ. السَّادِسُ: الْجِبْتُ وَالطَّاغُوتُ صَنَمَانِ لِقُرَيْشٍ، وَهُمَا الصَّنَمَانِ اللَّذَانِ سَجَدَ الْيَهُودُ لَهُمَا طَلَبًا لِمَرْضَاةِ قُرَيْشٍ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَقَاوِيلُ كَثِيرَةٌ، وَهُمَا كَلِمَتَانِ وُضِعَتَا عَلَمَيْنِ عَلَى مَنْ كَانَ غَايَةً فِي الشَّرِّ وَالْفَسَادِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً فَبَيَّنَ أَنَّ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ من اللَّه
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 101
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست