responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 186
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: لَوْ جَازَتِ الصَّلَاةُ بِالْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ لَمَا جَازَتْ بِالْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَهَذَا جَائِزٌ وذاك غير جائز، وبيان الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الْفَارِسِيَّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ شَيْئًا لَمْ يَفْهَمْ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا الْبَتَّةَ، أَمَّا إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَهِمَ الْمَعْنَى وَأَحَاطَ بِالْمَقْصُودِ وَعَرَفَ مَا فِيهِ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَمِنَ التَّرْغِيبِ فِي الْآخِرَةِ وَالتَّنْفِيرِ عَنِ الدُّنْيَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَقْصَى مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ حُصُولُ هَذِهِ الْمَعَانِي، قَالَ تَعَالَى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه: 14] وَقَالَ تَعَالَى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [مُحَمَّدٍ: 24] فَثَبَتَ أَنَّ قِرَاءَةَ التَّرْجَمَةِ تُفِيدُ هَذِهِ الْفَوَائِدَ الْعَظِيمَةَ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ تَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ هَذِهِ الْفَوَائِدِ، فَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ إِنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ تُفِيدُ هَذِهِ الْفَوَائِدَ الْعَظِيمَةَ وَالْقِرَاءَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ مَانِعَةٌ مِنْهَا لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ مُحَرَّمَةً، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ غَيْرُ جَائِزَةٍ.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: الْمُقْتَضَى لِبَقَاءِ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ قَائِمٌ، وَالْفَارِقُ ظَاهِرٌ، أَمَّا الْمُقْتَضَى/ فَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ كَانَ ثَابِتًا، وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ الْبَقَاءُ، وَأَمَّا الْفَارِقُ فَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَمَا أَنَّهُ يَطْلُبُ قِرَاءَةً لِمَعْنَاهُ كَذَلِكَ تُطْلَبُ قِرَاءَتُهُ لِأَجْلِ لَفْظِهِ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي فَصَاحَتِهِ، وَفَصَاحَتَهُ فِي لَفْظِهِ وَالثَّانِي: أَنَّ تَوْقِيفَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى قِرَاءَةِ لَفْظِهِ يُوجِبُ حِفْظَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، وَكَثْرَةُ الْحِفْظِ مِنَ الْخَلْقِ الْعَظِيمِ يُوجِبُ بَقَاءَهُ عَلَى وَجْهِ الدَّهْرِ مَصُونًا عَنِ التَّحْرِيفِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ تَحْقِيقُ مَا وَعَدَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الْحِجْرِ: 9] أَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى قِرَاءَةِ هَذَا النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ فَإِنَّهُ يَخْتَلُّ هَذَا الْمَقْصُودُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُقْتَضَى قَائِمٌ وَالْفَارِقُ ظَاهِرٌ.
وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِ بِأَنَّهُ أَمَرَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَةُ التَّرْجَمَةِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُعَلِّمُ رَجُلًا الْقُرْآنَ فَقَالَ: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ [الدُّخَانِ: 43، 44] وَكَانَ الرَّجُلُ عَجَمِيًّا فَكَانَ يَقُولُ: طَعَامُ الْيَتِيمِ: فَقَالَ: قُلْ طَعَامُ الْفَاجِرِ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ الْخَطَأُ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يُقْرَأَ مَكَانَ الْعَلِيمِ الْحَكِيمُ بَلْ أَنْ يَضَعَ آيَةَ الرَّحْمَةِ مَكَانَ آيَةِ الْعَذَابِ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [الشُّعَرَاءِ: 196] فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى [الْأَعْلَى: 18، 19] ثُمَّ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ مَا كَانَ الْقُرْآنُ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ كَانَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ [الْأَنْعَامِ: 19] ثُمَّ إِنَّ الْعَجَمَ لَا يَفْهَمُونَ اللَّفْظَ الْعَرَبِيَّ إِلَّا إِذَا ذَكَرَ تِلْكَ الْمَعَانِي لَهُمْ بِلِسَانِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُ قُرْآنًا، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْمَنْظُومَ بِالْفَارِسِيَّةِ قُرْآنٌ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ أَحْوَالَ هَؤُلَاءِ عَجِيبَةٌ جِدًّا، فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي نُصْرَةِ هَذَا الْمَذْهَبِ كَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ إِنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا تَلْتَفِتُ إِلَى هذا، بل نقول: إِنَّ الْقَائِلَ بِهِ شَاكٌّ فِي دِينِهِ، وَالشَّاكُّ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ حُجَّةً فَلِمَ لَمْ يَقْبَلُوا قَوْلَهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ؟ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فَلِمَ عُوِّلَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ وَلَعَمْرِي هَذِهِ الْمُنَاقَضَاتُ عَجِيبَةٌ، وَأَيْضًا فَقَدْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ حَذْفُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَحَذْفُ الْفَاتِحَةِ عَنِ الْقُرْآنِ وَيَجِبُ عَلَيْنَا إِحْسَانُ الظَّنِّ بِهِ، وَأَنْ نَقُولَ: إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 1  صفحه : 186
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست