responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير البغوي احياء التراث نویسنده : البغوي ، أبو محمد    جلد : 5  صفحه : 63
إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ.
وَذَلِكَ مَا رَوَى عَطَاءٌ وَغَيْرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]
قَالَ: كَانَ رَاهِبٌ فِي الْفَتْرَةِ يُقَالُ لَهُ بَرْصِيصَا تَعَبَّدَ فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ يَعْصِ اللَّهَ فِيهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ أَعْيَاهُ فِي أَمْرِهِ الْحِيَلُ، فَجَمَعَ ذَاتَ يَوْمٍ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ فَقَالَ: أَلَّا أَجِدُ أَحَدًا مِنْكُمْ يَكْفِينِي أَمْرَ بَرْصِيصَا؟ فَقَالَ الْأَبْيَضُ وَهُوَ صَاحِبُ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَهُ فِي صُورَةِ جِبْرَائِيلَ ليوسوس إليه على جهة [2] الْوَحْيِ فَدَفَعَهُ جِبْرَائِيلُ إِلَى أَقْصَى أَرْضِ الْهِنْدِ، فَقَالَ الْأَبْيَضُ لِإِبْلِيسَ: أَنَا أَكْفِيكَ أَمْرَهُ، فَانْطَلَقَ فَتَزَيَّنَ بِزِينَةِ الرُّهْبَانِ وَحَلَقَ وَسَطَ رَأْسِهِ وَأَتَى صَوْمَعَةَ بَرْصِيصَا فَنَادَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَكَانَ لَا يَنْفَتِلُ عَنْ صَلَاتِهِ إِلَّا فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُفْطِرُ إِلَّا فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ مَرَّةً، فَلَمَّا رَأَى الْأَبْيَضُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُ أَقْبَلَ عَلَى الْعِبَادَةِ فِي أَصْلِ صَوْمَعَتِهِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ بَرْصِيصَا اطَّلَعَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَرَأَى الْأَبْيَضَ قَائِمًا يُصَلِّي فِي هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ مِنْ هَيْئَةِ الرُّهْبَانِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ نَدِمَ فِي نَفْسِهِ حِينَ لَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ نَادَيْتَنِي وَكُنْتُ مُشْتَغِلًا عَنْكَ، فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: حَاجَتِي أَنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ، فَأَتَأَدَّبَ بِكَ وَأَقْتَبِسَ مِنْ عَمَلِكَ وَعِلْمِكَ، وَنَجْتَمِعَ عَلَى الْعِبَادَةِ فَتَدْعُوَ لِي وَأَدْعُوَ لَكَ، فَقَالَ بَرْصِيصَا: إِنِّي لَفِي شُغْلٍ عَنْكَ فَإِنْ كُنْتَ مُؤْمِنًا فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ فِيمَا أَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ نَصِيبًا إِنِ اسْتَجَابَ لِي، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَتَرَكَ الْأَبْيَضَ، وَأَقْبَلَ الْأَبْيَضُ يُصَلِّي فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ بَرْصِيصَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا بَعْدَهَا، فَلَمَّا انْفَتَلَ رَآهُ قَائِمًا يُصَلِّي فَلَمَّا رَأَى بَرْصِيصَا شِدَّةَ اجْتِهَادِهِ قَالَ لَهُ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَأْذَنَ لِي فَأَرْتَفِعَ إِلَيْكَ فَأَذِنَ لَهُ فَارْتَفَعَ إِلَيْهِ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَأَقَامَ مَعَهُ حَوْلًا يَتَعَبَّدُ لَا يُفْطِرُ إِلَّا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَا يَنْفَتِلُ عَنْ صَلَاتِهِ إِلَّا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرَّةً، وَرُبَّمَا مَدَّ إِلَى الثَّمَانِينَ، فَلَمَّا رَأَى بَرْصِيصَا اجْتِهَادَهُ تَقَاصَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ وَأَعْجَبَهُ شَأْنُ الْأَبْيَضِ، فَلَمَّا حَالَ الْحَوْلُ قَالَ الْأَبْيَضُ لِبَرْصِيصَا: إِنِّي مُنْطَلِقٌ فَإِنَّ لِي صَاحِبًا غَيْرَكَ ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَشَدُّ اجْتِهَادًا مِمَّا أَرَى، وَكَانَ يَبْلُغُنَا عَنْكَ غَيْرُ الَّذِي رَأَيْتُ، فَدَخَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى بَرْصِيصَا أَمْرٌ شَدِيدٌ وَكَرِهَ مُفَارَقَتَهُ لِلَّذِي رَأَى مِنْ شِدَّةِ اجْتِهَادِهِ، فَلَمَّا وَدَّعَهُ قَالَ لَهُ الْأَبْيَضُ: إِنْ عِنْدِي دَعَوَاتٍ أعلمكها تدعونهن فَهُنَّ خَيْرٌ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ يَشْفِي اللَّهُ بِهَا السَّقِيمَ وَيُعَافِي بِهَا الْمُبْتَلَى وَالْمَجْنُونَ، قَالَ بَرْصِيصَا: إِنِّي أَكْرَهُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ لِأَنَّ لِي فِي نَفْسِي شُغْلًا وَإِنِّي أَخَافُ إِنْ عَلِمَ بِهِ النَّاسُ شَغَلُونِي عَنِ الْعِبَادَةِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ الْأَبْيَضُ حَتَّى عَلَّمَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى إِبْلِيسَ فَقَالَ: قَدْ وَاللَّهِ أَهْلَكْتُ الرَّجُلَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ الْأَبْيَضُ فَتَعَرَّضَ لِرَجُلٍ فَخَنَقَهُ ثُمَّ جَاءَ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مُتَطَبِّبٍ فَقَالَ لِأَهْلِهِ إِنَّ بِصَاحِبِكُمْ جُنُونًا أَفَأُعَالِجُهُ؟
قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي لَا أَقْوَى عَلَى جِنَّتِهِ [3] وَلَكِنْ سَأُرْشِدُكُمْ إِلَى مَنْ يَدْعُو اللَّهَ فَيُعَافِيهِ، انْطَلِقُوا إِلَى برصيصا فإن عنده الاسم الأعظم الَّذِي إِذَا دَعَا بِهِ أُجِيبَ، فَانْطَلَقُوا إِلَيْهِ فَسَأَلُوهُ ذَلِكَ فَدَعَا بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ فَذَهَبَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ، فَكَانَ الْأَبْيَضُ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ بِالنَّاسِ وَيُرْشِدُهُمْ إِلَى بَرْصِيصَا، فَيَدْعُو فَيُعَافَوْنَ، فَانْطَلَقَ الْأَبْيَضُ فَتَعَرَّضَ لِجَارِيَةٍ مِنْ بَنَاتِ مُلُوكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ إِخْوَةٍ وَكَانَ أَبُوهُمْ مَلِكَهُمْ، فَمَاتَ وَاسْتَخْلَفَ أَخَاهُ فَكَانَ عَمُّهَا مَلِكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَعَذَّبَهَا وَخَنَقَهَا ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِمْ فِي صُورَةِ مُتَطَبِّبٍ فَقَالَ لَهُمْ:
أَتُرِيدُونَ أَنْ أُعَالِجَهَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ الَّذِي عَرَضَ لَهَا مَارِدٌ لَا يُطَاقُ، وَلَكِنْ سَأُرْشِدُكُمْ إِلَى رجل

(1) الأثر لطوله مصدره كتب الأقدمين، والصحيح ما بعده.
[2] في المطبوع «وجه» .
[3] في المخطوط «جنيته» .
نام کتاب : تفسير البغوي احياء التراث نویسنده : البغوي ، أبو محمد    جلد : 5  صفحه : 63
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست