responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه نویسنده : ابن كثير    جلد : 2  صفحه : 46
فَانْطَلَقَ الْوَفْدُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَضَعُوا ثِيَابَ السَّفَرِ عَنْهُمْ، وَلَبِسُوا حُلَلًا لَهُمْ يَجُرُّونَهَا مِنْ حِبَرَةٍ وَخَوَاتِيمَ الذَّهَبِ، ثُمَّ انْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ، وَتَصَدَّوْا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا، فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ وَعَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُلَلُ وَخَوَاتِيمُ الذَّهَبِ، فَانْطَلَقُوا يَتَّبِعُونَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَكَانَا مَعْرِفَةً لَهُمْ، فَوَجَدُوهُمَا فِي نَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي مَجْلِسٍ، فَقَالُوا: يَا عُثْمَانُ وَيَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، إن نبيكم كتب إلينا كتابا فَأَقْبَلْنَا مُجِيبِينَ لَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ سَلَامَنَا، وَتَصَدَّيْنَا لِكَلَامِهِ نَهَارًا طَوِيلًا، فَأَعْيَانَا أَنْ يُكَلِّمَنَا، فَمَا الرَّأْيُ مِنْكُمَا، أَتَرَوْنَ أَنْ نَرْجِعَ؟ فَقَالَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ فِي الْقَوْمِ: مَا تَرَى يَا أَبَا الْحَسَنِ في هؤلاء القوم؟ فقال علي لعثمان وعبد الرَّحْمَنِ: أَرَى أَنْ يَضَعُوا حُلَلَهُمْ هَذِهِ وَخَوَاتِيمَهُمْ، ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودون إليه، ففعلوا فسلموا عليه فَرَدَّ سَلَامَهُمْ، ثُمَّ قَالَ «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، لَقَدْ أَتَوْنِي الْمَرَّةَ الْأُولَى وَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمَعَهُمْ» . ثُمَّ سَاءَلَهُمْ وَسَاءَلُوهُ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ وَبِهِمُ المسألة حتى قالوا له: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى، فَإِنَّا نَرْجِعُ إِلَى قَوْمِنَا وَنَحْنُ نَصَارَى، يَسُرُّنَا إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا أن نسمع ما تقول فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ يَوْمِي هَذَا، فَأَقِيمُوا حَتَّى أُخْبِرَكُمْ بِمَا يَقُولُ لِي رَبِّي فِي عيسى» فأصبح الغد وقد أنزل الله هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ- إلى قوله- الْكاذِبِينَ فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَدَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، أَقْبَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فِي خَمِيلٍ لَهُ، وَفَاطِمَةُ تَمْشِي عِنْدَ ظَهْرِهِ لِلْمُلَاعَنَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عِدَّةُ نِسْوَةٍ، فقال شرحبيل لصاحبيه: لقد عَلِمْتُمَا أَنَّ الْوَادِيَ إِذَا اجْتَمَعَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلُهُ لَمْ يَرِدُوا وَلَمْ يَصْدُرُوا إِلَّا عَنْ رَأْيِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ أَرَى أَمْرًا ثَقِيلًا، وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مَلِكًا مَبْعُوثًا فَكُنَّا أَوَّلَ العرب طعنا في عينيه وردا عَلَيْهِ أَمْرَهُ، لَا يَذْهَبُ لَنَا مِنْ صَدْرِهِ وَلَا مِنْ صُدُورِ أَصْحَابِهِ حَتَّى يُصِيبُونَا بِجَائِحَةٍ، وَإِنَّا لَأَدْنَى الْعَرَبِ مِنْهُمْ جِوَارًا، وَلَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ نَبِيًّا مُرْسَلًا فَلَاعَنَّاهُ، لَا يَبْقَى منا على وجه الأرض شَعْرٌ وَلَا ظُفُرٌ إِلَّا هَلَكَ، فَقَالَ لَهُ صاحباه: فلما الرأي يا أبا مريم؟ فَقَالَ: أَرَى أَنْ أُحَكِّمَهُ، فَإِنِّي أَرَى رَجُلًا لَا يَحْكُمُ شَطَطًا أَبَدًا، فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ وَذَاكَ، قَالَ: فَلَقِيَ شُرَحْبِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْ مُلَاعَنَتِكَ. فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: حُكْمُكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَيْلَتُكَ إِلَى الصَّبَاحِ، فَمَهْمَا حَكَّمْتَ فِينَا فَهُوَ جَائِزٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَلَّ وَرَاءَكَ أَحَدًا يَثْرِبُ [1] عَلَيْكَ» ؟ فَقَالَ شُرَحْبِيلُ: سَلْ صَاحِبَيَّ، فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا: مَا يَرِدُ الْوَادِي وَلَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِ شُرَحْبِيلَ. فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُلَاعِنْهُمْ حتى إذا كان من الْغَدُ أَتَوْهُ، فَكَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ «بِسْمِ الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب النبي محمد رَسُولُ اللَّهِ لِنَجْرَانَ- إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ- فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَكُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ وَرَقِيقٍ فَاضِلٍ عَلَيْهِمْ، وَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، فِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وَفِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ» وَذَكَرَ تمام

[1] ثرّب عليه: لامه وعيّره بذنبه.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه نویسنده : ابن كثير    جلد : 2  صفحه : 46
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست