responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه نویسنده : ابن كثير    جلد : 2  صفحه : 42
عيسى لكونه مَخْلُوقًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، فَجَوَازُ ذَلِكَ فِي آدَمَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَمَعْلُومٌ بِالِاتِّفَاقِ أَنَّ ذَلِكَ باطل، فدعواه فِي عِيسَى أَشَدُّ بُطْلَانًا وَأَظْهَرُ فَسَادًا، وَلَكِنَّ الرب جل جلاله أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ قُدْرَتَهُ لِخَلْقِهِ حِينَ خَلَقَ آدَمَ لَا مِنْ ذَكَرٍ وَلَا مِنْ أُنْثَى، وَخَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى، وَخَلَقَ عيسى من أثنى بِلَا ذَكَرٍ، كَمَا خَلَقَ بَقِيَّةَ الْبَرِيَّةَ مَنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ مَرْيَمَ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ [مَرْيَمَ: 21] وَقَالَ هَاهُنَا: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ أي هذا هو القول الْحَقُّ فِي عِيسَى الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ وَلَا صَحِيحَ سِوَاهُ، وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُبَاهِلَ مَنْ عَانَدَ الْحَقَّ فِي أَمْرِ عِيسَى بَعْدَ ظُهُورِ الْبَيَانِ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ أَيْ نَحْضُرُهُمْ فِي حال المباهلة ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي نلتعن فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ أَيْ مِنَّا أَوْ مِنْكُمْ.
وَكَانَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْمُبَاهَلَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا فِي وَفْدِ نجران، أن النصارى لما قَدِمُوا فَجَعَلُوا يُحَاجُّونَ فِي عِيسَى وَيَزْعُمُونَ فِيهِ ما يزعمون من النبوة وَالْإِلَهِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ هَذِهِ السُّورَةِ رَدًّا عَلَيْهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سيرته [1] المشهورة وغيره: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ سِتُّونَ رَاكِبًا، فِيهِمْ أَرْبَعَةَ عشر رجلا من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم وَهُمْ: الْعَاقِبُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ، وَالسَّيِّدُ وَهُوَ الْأَيْهَمُ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو [2] بَكْرِ بن وائل، وأويس بْنُ الْحَارِثِ، وَزَيْدٌ، وَقَيْسٌ، وَيَزِيدُ وَنَبِيهٌ، وَخُوَيْلِدٌ، وَعَمْرٌو، وَخَالِدٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَيُحَنَّسُ، وَأَمْرُ هَؤُلَاءِ يؤول إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ وَهُمُ الْعَاقِبُ، وَكَانَ أَمِيرَ الْقَوْمِ وَذَا رَأْيِهِمْ وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ، وَالَّذِي لَا يَصْدُرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ، وَالسَّيِّدُ وَكَانَ عَالِمَهُمْ وَصَاحِبَ رَحْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ وَكَانَ أُسْقُفَهُمْ وَحَبْرَهُمْ وَإِمَامَهُمْ وَصَاحِبَ مَدَارِسِهِمْ [3] ، وَكَانَ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَلَكِنَّهُ تَنَصَّرَ فَعَظَّمَتْهُ الرُّومُ وَمُلُوكُهَا وَشَرَّفُوهُ، وبنوا له الكنائس وَأَخْدَمُوهُ لِمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ صَلَابَتِهِ فِي دِينِهِمْ، وَقَدْ كَانَ يَعْرِفُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وصفته وشأنه مما علمه من الكتب المتقدمة، ولكن حمله جَهْلُهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي النَّصْرَانِيَّةِ لِمَا يَرَى من تعظيمه فيها وجاهه عِنْدَ أَهْلِهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم المدينة، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ، عَلَيْهِمْ ثياب الحبرات [4] جبب وأردية في

[1] انظر سيرة ابن هشام 1/ 573 وما بعدها. [.....]
[2] في السيرة: «أحد بني بكر بن وائل. وهو أسقفّهم» .
[3] المدارس: الموضع يدرس فيه كتاب الله.
[4] الحبرات: برود من برود اليمن. الواحدة: حبرة.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه نویسنده : ابن كثير    جلد : 2  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست