responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 118
الْإِمَامِ وَالْقِيَامِ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ.
وَالْفَاسِقُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْخَارِجُ عَنِ الطَّاعَةِ أَيْضًا، وَتَقُولُ الْعَرَبُ: فَسَقَتِ الرَّطْبَةُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرَتِهَا، وَلِهَذَا يقال للفأرة: فويسقة لخروجها عن حجرها لِلْفَسَادِ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَمْسُ فَوَاسَقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» [1] فَالْفَاسِقُ يَشْمَلُ الْكَافِرَ وَالْعَاصِيَ، وَلَكِنَّ فِسْقَ الْكَافِرِ أَشَدُّ وَأَفْحَشُ، والمراد به مِنَ الْآيَةِ الْفَاسِقُ الْكَافِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، بِدَلِيلِ أنه وصفهم بقوله تَعَالَى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ صِفَاتُ الْكُفَّارِ الْمُبَايِنَةُ لِصِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرَّعْدِ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى؟ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ. وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ [الرعد: 19- 21] إِلَى أَنْ قَالَ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [الرَّعْدِ: 25] وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي مَعْنَى الْعَهْدِ الَّذِي وُصِفَ هَؤُلَاءِ الْفَاسِقِينَ بِنَقْضِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَصِيَّةُ اللَّهِ إِلَى خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَنَهْيِهِ إِيَّاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ فِي كُتُبِهِ وَعَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ، وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ هُوَ تَرْكُهُمُ الْعَمَلَ بِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ فِي كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ، وَعَهْدُ اللَّهِ الَّذِي نقضوه هو ما أخذ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا فِيهَا وَاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بُعِثَ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ هُوَ جُحُودُهُمْ بِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِيقَتِهِ وَإِنْكَارِهِمْ ذَلِكَ وَكِتْمَانِهِمْ عِلْمَ ذَلِكَ عَنِ النَّاسِ بَعْدَ إِعْطَائِهِمُ اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِهِمُ الْمِيثَاقَ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ [2] رحمه الله وهو قول مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ.
وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ جَمِيعَ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَعَهْدُهُ إِلَى جَمِيعِهِمْ فِي تَوْحِيدِهِ مَا وَضَعَ لهم من الأدلة الدالة على ربوبيته وعهد إِلَيْهِمْ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا احْتَجَّ بِهِ لِرُسُلِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرُهُمْ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا، الشَّاهِدَةِ لَهُمْ عَلَى صِدْقِهِمْ، قَالُوا: وَنَقْضُهُمْ ذَلِكَ: تَرْكُهُمُ الإقرار بما قد تبينت لَهُمْ صِحَّتُهُ بِالْأَدِلَّةِ، وَتَكْذِيبُهُمُ الرُّسُلَ وَالْكُتُبَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ مَا أَتَوْا بِهِ حَقٌّ. وَرُوِيَ عن مقاتل بن حيان أيضا نَحْوَ هَذَا وَهُوَ حَسَنٌ، وَإِلَيْهِ مَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ، فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا الْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: مَا رَكَّزَ فِي عُقُولِهِمْ مِنَ الحجة على

[1] أخرجه البخاري (صيد باب 7 بدء الخلق باب 1) ومسلم (حجّ حديث 71، 73) والترمذي (حج باب 21) والنسائي (مناسك باب 116، 117) وأحمد في المسند (ج 6 ص 164) .
[2] تفسير الطبري 1/ 219.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 118
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست