responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 109
لا يحاذى وَلَا يُدَانَى، فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ مَغِيبَاتٍ مَاضِيَةٍ كَانَتْ وَوَقَعَتْ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَ بِكُلِّ خَيْرٍ، وَنَهَى عَنْ كُلِّ شَرٍّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا [الْأَنْعَامِ: 115] أَيْ صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ وَعَدْلًا فِي الْأَحْكَامِ، فَكُلُّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَعَدْلٌ وَهُدًى لَيْسَ فِيهِ مُجَازَفَةٌ وَلَا كَذِبٌ وَلَا افْتِرَاءٌ كَمَا يُوجَدُ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وَالْمُجَازَفَاتِ الَّتِي لَا يَحْسُنُ شِعْرُهُمْ إِلَّا بِهَا، كَمَا قِيلَ فِي الشِّعْرِ إِنَّ أَعْذَبَهُ أَكْذَبُهُ، وَتَجِدُ الْقَصِيدَةَ الطَّوِيلَةَ الْمَدِيدَةَ قَدِ اسْتُعْمِلَ غَالِبُهَا فِي وَصْفِ النِّسَاءِ أَوِ الْخَيْلِ أَوِ الْخَمْرِ أَوْ فِي مَدْحِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ حَرْبٍ أَوْ كَائِنَةٍ أَوْ مَخَافَةٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الْمُشَاهَدَاتِ الْمُتَعَيِّنَةِ الَّتِي لَا تُفِيدُ شَيْئًا إِلَّا قدرة المتكلم المعين عَلَى الشَّيْءِ الْخَفِيِّ أَوِ الدَّقِيقِ أَوْ إِبْرَازُهُ إلى الشيء الواضح، ثم تجد له فيه بيت أَوْ بَيْتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هِيَ بُيُوتُ الْقَصِيدِ وَسَائِرُهَا هَذَرٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَجَمِيعُهُ فَصِيحٌ فِي غَايَةِ نِهَايَاتِ الْبَلَاغَةِ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ تَفْصِيلًا وَإِجْمَالًا مِمَّنْ فَهِمَ كَلَامَ الْعَرَبِ وَتَصَارِيفَ التَّعْبِيرِ، فَإِنَّهُ إِنْ تَأَمَّلْتَ أَخْبَارَهُ وَجَدْتَهَا فِي غَايَةِ الْحَلَاوَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَبْسُوطَةً أَوْ وَجِيزَةً وَسَوَاءٌ تَكَرَّرَتْ أَمْ لَا، وَكُلَّمَا تَكَرَّرَ حَلَا وَعَلَا، لَا يَخْلَقُ [1] عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا يَمَلُّ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَإِنْ أَخَذَ فِي الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ جَاءَ مِنْهُ مَا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجِبَالُ الصُّمُّ الرَّاسِيَاتُ، فَمَا ظَنُّكَ بِالْقُلُوبِ الْفَاهِمَاتِ، وَإِنْ وَعَدَ أَتَى بِمَا يَفْتَحُ الْقُلُوبَ وَالْآذَانَ، وَيُشَوِّقُ إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَمُجَاوَرَةِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ كَمَا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [السَّجْدَةِ: 17] وَقَالَ: وَفِيها مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ [الزُّخْرُفِ: 71] وَقَالَ فِي التَّرْهِيبِ: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ [الْإِسْرَاءِ: 68] أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ. أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الْمُلْكِ: 16- 17] وَقَالَ فِي الزَّجْرِ: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ [الْعَنْكَبُوتِ: 40] وَقَالَ فِي الْوَعْظِ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ مَا كانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنى عَنْهُمْ مَا كانُوا يُمَتَّعُونَ [الشُّعَرَاءِ: 205] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ وَالْحَلَاوَةِ. وَإِنْ جَاءَتِ الْآيَاتُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، اشْتَمَلَتْ عَلَى الْأَمْرِ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ حَسَنٍ نَافِعٍ طَيِّبٍ مَحْبُوبٍ، وَالنَّهْيِ عَنْ كُلِّ قَبِيحٍ رَذِيلٍ دَنِيءٍ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ في القرآن: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعها سمعك فإنها خَيْرٌ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ [الْأَعْرَافِ: 157] وَإِنْ جَاءَتِ الْآيَاتُ فِي وَصْفِ الْمَعَادِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَهْوَالِ وَفِي وَصْفِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِمَا لِأَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ مِنَ النَّعِيمِ وَالْجَحِيمِ وَالْمَلَاذِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، بَشَّرَتْ بِهِ وَحَذَّرَتْ وَأَنْذَرَتْ، وَدَعَتْ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرَاتِ، وَزَهَّدَتْ فِي الدُّنْيَا وَرَغَّبَتْ فِي الآخرة، وثبتت على الطريقة

[1] لا يخلق: لا يبلى.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 109
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست