responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 324
حِينَ أَوْصَى بِأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ «وَلَوْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ حَيًّا لَعَهِدْتُ إِلَيْهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ إِنَّهُ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ»
. وَقَوْلُهُ: وَتَخُونُوا عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تَخُونُوا فَهُوَ فِي حَيِّزِ النَّهْيِ، وَالتَّقْدِيرُ:
وَلَا تَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ، وَإِنَّمَا أُعِيدَ فِعْلُ تَخُونُوا وَلَمْ يَكْتَفِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ، الصَّالِحِ لِلنِّيَابَةِ عَنِ الْعَامِلِ فِي الْمَعْطُوفِ، لِلتَّنْبِيهِ عَلَى نَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّ خِيَانَتَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ نَقْضُ الْوَفَاءِ لَهُمَا بِالطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ، وَخِيَانَةَ الْأَمَانَةِ نَقْضُ الْوَفَاءِ بِأَدَاءِ مَا ائْتَمَنُوا عَلَيْهِ.
وَجُمْلَةُ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ تَخُونُوا الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَهِيَ حَالٌ كَاشِفَةٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا تَشْدِيدُ النَّهْيِ، أَوْ تَشْنِيعُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْقَبِيحِ فِي حَالِ مَعْرِفَةِ الْمَنْهِيِّ أَنَّهُ قَبِيحٌ يَكُونُ أَشَدَّ، وَلِأَنَّ الْقَبِيحَ فِي حَالِ عِلْمِ فَاعِلِهِ بِقُبْحِهِ يَكُونُ أَشْنَعَ، فَالْحَالُ هُنَا بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ الْكَاشِفَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لَا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الْمُؤْمِنُونَ: 117]- وَقَوْلِهِ- فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة: 22] وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَقْيِيدُ النَّهْيِ عَنِ الْخِيَانَةِ بِحَالَةِ الْعِلْمِ بِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ قَلِيلُ الْجَدْوَى، فَإِنَّ كُلَّ تَكْلِيفٍ مَشْرُوطٍ بِالْعِلْمِ وَكَوْنُ الْخِيَانَةِ قَبِيحَةً أَمْرٌ مَعْلُومٌ.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ فِعْلَ تَعْلَمُونَ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، فَلَا يُقَدَّرُ لَهُ مَفْعُولٌ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ «وَأَنْتُمْ ذَوُو عِلْمٍ» أَيْ مَعْرِفَةِ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ، أَيْ وَأَنْتُمْ عُلَمَاءُ لَا تَجْهَلُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَحَاسِنِ وَالْقَبَائِحِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [22] .
وَلَكَ أَنْ تُقَدِّرَ لَهُ هُنَا مَفْعُولًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ أَيْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ خِيَانَةَ الْأَمَانَةِ أَيْ تَعْلَمُونَ قُبْحَهَا فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ فِي آدَابِ دِينِهِمْ تَقْبِيحُ الْخِيَانَةِ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ لِلنَّاسِ حَتَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَابْتِدَاءُ جُمْلَةِ: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
بِفِعْلِ اعْلَمُوا
لِلِاهْتِمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الْأَنْفَال: 24]- وَقَوْلِهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ [الْأَنْفَال: 25] وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْحَذَرِ مِنَ الْخِيَانَةِ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا الْمَرْءَ حُبُّ الْمَالِ وَهِيَ خِيَانَةُ الْغُلُولِ وَغَيْرُهَا، فَتَقْدِيمُ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْحَمْلِ عَلَى الْخِيَانَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 324
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست