responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 315
وَإِسْنَادُ الْحَوْلِ إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْمَكَانِ، وَالْمَعْنَى يَحُولُ شَأْن من شؤون صِفَاتِهِ، وَهُوَ تَعَلُّقُ صِفَةِ الْعِلْمِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا يُضْمِرُهُ الْمَرْءُ أَوْ تَعَلُّقُ صِفَةِ الْقُدْرَةِ بِتَنْفِيذِ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ الْمَرْءُ أَوْ بِصَرْفِهِ عَنْ فِعْلِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقَلْبِ هُنَا الْبَضْعَةَ الصَّنَوْبَرِيَّةَ الْمُسْتَقِرَّةَ فِي بَاطِنِ الصَّدْرِ، وَهِيَ الْآلَةُ الَّتِي تَدْفَعُ الدَّمَ إِلَى عُرُوقِ الْجِسْمِ، بَلِ الْمُرَادُ عَقْلُ
الْمَرْءِ وَعَزْمُهُ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ.
فَلَمَّا كَانَ مَضْمُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَكْمِلَةً لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَاعْلَمُوا أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ يَخْلُصُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَعَقْلِهِ خُلُوصَ الْحَائِلِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَدِيدَ الِاتِّصَالِ بكليهما.
وَالْمرَاد ب الْمَرْءِ عَمَلُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ الْجُسْمَانِيَّةُ.
فَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ عَزْمَ الْمَرْءِ وَنِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَعِلَ بِعَزْمِهِ جَوَارِحُهُ، فَشُبِّهَ عِلْمُ اللَّهِ بِذَلِكَ بِالْحَائِلِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِي كَوْنِهِ أَشَدَّ اتِّصَالًا بِالْمَحُولِ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.
وَجِيءَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ يَحُولُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَتَجَدَّدُ وَيَسْتَمِرُّ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] قَالَهُ قَتَادَةُ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا تَحْذِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كُلِّ خَاطِرْ يَخْطُرُ فِي النُّفُوسِ: مِنَ التَّرَاخِي فِي الِاسْتِجَابَةِ إِلَى دَعْوَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّنَصُّلِ مِنْهَا، أَوِ التَّسَتُّرِ فِي مُخَالَفَتِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ:
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [الْبَقَرَة: 235] .
وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَقْعُ قَوْلِهِ: وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ عَقِبَهُ فَكَانَ مَا قَبْلَهُ تَحْذِيرًا وَكَانَ هُوَ تَهْدِيدًا وَفِي «الْكَشَّاف» ، و «ابْن عَطِيَّةَ» : قِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالِامْتِثَالِ وَعَدَمِ إِرْجَاءِ ذَلِكَ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ خَشْيَةَ أَنْ تَعْتَرِضَ الْمَرْءَ مَوَانِعُ مِنْ تَنْفِيذِ عَزْمِهِ عَلَى الطَّاعَةِ أَيْ فَيَكُونُ الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، أَيْ بَيْنَ عَمَلِهِ وَعَزْمِهِ قَالَ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [المُنَافِقُونَ: 10] الْآيَةَ.
وَهُنَالِكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى لِلْمُفَسِّرِينَ يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ وَلَا يُسَاعِدُ عَلَيْهَا ارْتِبَاطُ الْكَلَامِ وَالَّذِي حَمَلَنَا عَلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِهَذَا دُونَ مَا عَدَاهُ أَنْ لَيْسَ فِي جُمْلَةِ:
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 315
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست