responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 147
اجْتَرَحَتْهُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ وَالْمَعَاصِي تُبْقِي لَهَا عَقِبَ الْمَوْعِظَةِ أَثَرًا قَدْ تُعَيَّرُ الْأُمَّةُ بِهِ، وَلَكِن ذَلِك التعيير لَا يُؤْبَهُ بِهِ فِي جَانِبِ مَا يَحْصُلُ مِنَ النَّفْعِ لَهَا بِالْمَوْعِظَةِ، فَالْأُمَّةُ فِي خُوَيِّصَّتِهَا لَا يَهْتَمُّ قَادَتُهَا وَنُصَحَاؤُهَا إِلَّا بِإِصْلَاحِ الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِ بَعْضِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ غَضَاضَةٌ عِنْدَهَا وَامْتِعَاضٌ، فَإِذَا جَاءَ حُكْمُ التَّارِيخِ الْعَامِّ بَيْنَ الْأُمَمِ تَنَاوَلَتِ الْأُمَمُ أَحْوَالَ تِلْكَ الْأُمَّةِ بِالْحُكْمِ لَهَا وَعَلَيْهَا، فَبَقِيَتْ حَوَادِثُ فَلَتَاتِهَا مَغْمَزًا عَلَيْهَا وَمَعَرَّةً تُعَيَّرُ بِهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ شَأْنُ الْيَهُودِ لَمَّا أَضَاعُوا مُلْكَهُمْ وَوَطَنَهُمْ وَجَاوَرُوا- أُمَمًا أُخْرَى فَأَصْبَحُوا يَكْتُمُونَ عَنْ أُولَئِكَ الجيرة مساوي تَارِيخِهِمْ، حَتَّى أَرْسَلَ الله مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ مَا فِيهِ مُعْجِزَةٌ لِأَسْلَافِهِمْ، وَمَا بَقِيَ مَعَرَّةً لِأَخْلَافِهِمْ، وَذَلِكَ تَحَدٍّ لَهُمْ، وَوَخْزٌ عَلَى سُوءِ تَلَقِّيهِمُ الدَّعْوَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ بِالْمَكْرِ وَالْحَسَدِ.
فَالسُّؤَالُ هُنَا فِي معنى التقريع لِتَقْرِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَوْبِيخِهِمْ وَعَدِّ سَوَابِقِ عِصْيَانِهِمْ أَيْ لَيْسَ عِصْيَانُهُمْ إِيَّاكَ بِبِدْعٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ شِنْشِنَةٌ قَدِيمَةٌ فِيهِمْ، وَلَيْسَ سُؤَالَ الِاسْتِفَادَةِ لِأَن الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُعْلِمَ بِذَلِكَ مِنْ جَانِبِ رَبِّهِ تَعَالَى، وَهُوَ نَظِيرُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ التقريري فوزان وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ وَزِانُ: أَعَدَوْتُمْ فِي السَّبْتِ، فَإِنَّ السُّؤَالَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى نَوْعَيْنِ أَشْهَرُهُمَا أَنْ يَسْأَلَ السَّائِلُ عَمَّا لَا يُعلمهُ ليعلمه، والآخران يَسْأَلَ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيرِ حِينَ يَكُونُ السَّائِلُ يَعْلَمُ حُصُولَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ، وَيَعْلَمُ الْمَسْئُولُ أَنَّ السَّائِلَ عَالِمٌ وَأَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ ليقرره.
وَجُمْلَة: وَسْئَلْهُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ [الْأَعْرَاف:
161] وَاقِعَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ قَصَصِ الِامْتِنَانِ وَقَصَصِ الِانْتِقَامِ الْآتِيَةِ فِي قَوْله: وَقَطَّعْناهُمْ [الْأَعْرَاف: 168] ، وَمُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ فِي كِلْتَا الْقِصَّتَيْنِ حَدِيثًا يَتَعَلَّقُ بِأَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْقَرْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ الْآيَةَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [65] .
وَهَذِهِ الْقَرْيَةُ قِيلَ: (أَيْلَةُ) وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ الْيَوْمَ (الْعَقَبَةَ) وَهِيَ مَدِينَةٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ قُرْبَ شِبْهِ جَزِيرَةِ طُورِ سِينَا، وَهِيَ مَبْدَأُ أَرْضِ الشَّامِ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ، وَكَانَتْ مِنْ مَمْلَكَةِ إِسْرَائِيلَ فِي زَمَانِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَوُصِفَتْ بِأَنَّهَا حَاضِرَةُ الْبَحْرِ بِمَعْنَى الِاتِّصَالِ بِالْبَحْرِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ، لِأَنَّ الْحُضُورَ يَسْتَلْزِمُ الْقُرْبَ، وَكَانَتْ (أَيْلَةُ) مُتَّصِلَةً بِخَلِيجٍ مِنَ الْبَحْرِ
الْأَحْمَرِ وَهُوَ الْقُلْزُمُ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 147
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست