responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 104
هُنَا صَرْفٌ تَكْوِينِيٌّ فِي نُفُوسِ الْأَقْوَامِ، وَعَنِ الْحَسَنِ: إِنَّ مِنَ الْكُفَّارِ مَنْ يُبَالِغُ فِي كُفْرِهِ وَيَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ مَاتَ قَلْبُهُ.
وَفِي قَصِّ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا الْكَلَامَ على مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِيضٌ بِكُفَّارِ الْعَرَبِ بِأَنَّ اللَّهَ دَافِعُهُمْ عَنْ تَعْطِيلِ آيَاتِهِ، وَبِأَنَّهُ مَانِعٌ كَثِيرًا مِنْهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ مِنْ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى لرَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى الطَّبَرِيُّ ذَلِكَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً فِي أَثْنَاءِ قِصَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ
بِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ [الْأَعْرَاف: 145] تَعْرِيضًا بِأَنَّ حَالَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَحَالِ أُولَئِكَ الْفَاسِقِينَ، وَتَصْرِيحًا بِسَبَبِ إِدَامَتِهِمُ الْعِنَادَ وَالْإِعْرَاضَ عَنِ الْإِيمَانِ، فَتَكُونُ الْجُمْلَة مستأنفة استينافا ابْتِدَائِيًّا، وَتَأْتِي فِي مَعْنَى الصَّرْفِ عَنِ الْآيَاتِ الْوُجُوهُ السَّابِقَةُ وَاقْتِرَانُ فِعْلِ سَأَصْرِفُ بِسِينِ الِاسْتِقْبَالِ الْقَرِيبِ تُنَبِّهُهُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُعَجِّلُ ذَلِكَ الصَّرْفَ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ على مفعول سَأَصْرِفُ لِلِاهْتِمَامِ بِالْآيَاتِ، وَلِأَنَّ ذِكْرَهُ عَقِبَ الْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ هُوَ بِهِ أَحْسَنُ.
وَتَعْرِيفُ الْمَصْرُوفِينَ عَنِ الْآيَاتِ بِطَرِيقِ الْمَوْصُولِيَّةِ لِلْإِيمَاءِ بِالصِّلَةِ إِلَى عِلَّةِ الصَّرْفِ.
وَهِيَ مَا تَضَمَّنَتْهُ الصِّلَاتُ الْمَذْكُورَةُ، لِأَنَّ مَنْ صَارَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ حَالَاتٍ لَهُ يَنْصُرُهُ اللَّهُ، أَوْ لِأَنَّهُ إِذَا صَارَ ذَلِكَ حَالَهُ رِينَ عَلَى قَلْبِهِ، فَصُرِفَ قَلْبُهُ عَنْ إِدْرَاكِ دَلَالَةِ الْآيَاتِ وَزَالَتْ مِنْهُ الْأَهْلِيَّةُ لِذَلِكَ الْفَهْمِ الشَّرِيفِ.
وَالْأَوْصَافُ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الصِّلَاتُ فِي الْآيَةِ تَنْطَبِقُ عَلَى مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ أَتَمَّ الِانْطِبَاقِ.
وَالتَّكَبُّرُ الِاتِّصَافُ بِالْكِبْرِ. وَقَدْ صِيغَ لَهُ الصِّيغَةُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّكَلُّفِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَبى وَاسْتَكْبَرَ [الْبَقَرَة: 34] وَقَوْلِهِ: اسْتَكْبَرْتُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [87] ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُعْجَبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيَعُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ عُظَمَاءَ فَلَا يَأْتَمِرُونَ لِآمِرٍ، وَلَا يَنْتَصِحُونَ لِنَاصِحٍ.
وَزِيَادَةُ قَوْلِهِ: فِي الْأَرْضِ لِتَفْضِيحِ تَكَبُّرِهِمْ، وَالتَّشْهِيرِ بِهِمْ بِأَنَّ كِبْرَهُمْ مَظْرُوفٌ فِي الْأَرْضِ، أَيْ لَيْسَ هُوَ خَفِيًّا مُقْتَصِرًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، بَلْ هُوَ مَبْثُوثٌ فِي الْأَرْضِ، أَيْ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 9  صفحه : 104
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست