responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 443
الْإِيمَانِ أَوَّلَ مَا دَعَاهُمُ الرَّسُولُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَيَصِيرُ هَذَا التَّشْبِيهُ فِي قُوَّةِ الْبَيَانِ لِلتَّقْلِيبِ الْمَجْعُولِ حَالًا مِنِ انْتِفَاءِ إِيمَانِهِمْ بِأَنَّ سَبَبَ صُدُورِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ لَا يَزَالُ قَائِمًا لِأَنَّ اللَّهَ حَرَمَهُمْ إِصْلَاحَ قُلُوبِهِمْ.
وَجَوَّزَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ لِلتَّعْلِيلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ مَعَانِيهَا، وَخُرِّجَ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ [الْبَقَرَة: 198] . فَالْمَعْنَى: نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ لِأَنَّهُمْ عَصَوْا وَكَابَرُوا فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِالْقُرْآنِ أَوَّلَ مَا تَحَدَّاهُمْ، فَنَجْعَلُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ مُسْتَمِرَّةَ الِانْقِلَابِ عَنْ شَأْنِ الْعُقُولِ وَالْأَبْصَارِ، فَهُوَ جَزَاءٌ لَهُمْ عَلَى عَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِعْثَةِ رَسُولِهِ، وَاسْتِخْفَافِهِمْ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى التَّكْذِيبِ قَبْلَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ.
وَتَقْدِيمُ الْأَفْئِدَةِ عَلَى الْأَبْصَارِ لِأَنَّ الْأَفْئِدَةَ بِمَعْنَى الْعُقُولِ، وَهِيَ مَحَلُّ الدَّوَاعِي وَالصَّوَارِفِ، فَإِذَا لَاحَ لِلْقَلْبِ بَارِقُ الِاسْتِدْلَالِ وَجَّهَ الْحَوَاسَّ إِلَى الْأَشْيَاءِ وَتَأَمَّلَ مِنْهَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَفْئِدَةِ وَالْأَبْصَارِ وَعَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ بِالْأَفْئِدَةِ عَنِ الْأَبْصَارِ لِأَنَّ الْأَفْئِدَةَ تَخْتَصُّ بِإِدْرَاكِ الْآيَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْمَحْضَةِ، مِثْلُ آيَةِ الْأُمِّيَّةِ وَآيَةِ الْإِعْجَازِ. وَلَمَّا لَمْ تَكُفَّهُمُ الْآيَاتُ الْعَقْلِيَّةُ وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِأَفْئِدَتِهِمْ لِأَنَّهَا مُقَلَّبَةٌ عَنِ الْفِطْرَةِ وَسَأَلُوا آيَاتٍ مَرْئِيَّةً مُبْصَرَةً، كَأَنْ يَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَيُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ، أخبر الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُمْ لَوْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ مُبْصَرَةٌ لَمَا آمَنُوا لِأَنَّ أَبْصَارَهُمْ مُقَلَّبَةٌ أَيْضًا مِثْلُ تَقْلِيبِ عُقُولِهِمْ.
وَذُكِّرَ أَوَّلَ مَعَ أَنَّهُ مُضَافٌ إِلَى مَرَّةٍ إِضَافَةَ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ لِأَنَّ أَصْلَ «أَوَّلَ» اسْمُ تَفْضِيلٍ. وَاسْمُ التَّفْضِيلِ إِذَا أُضِيفَ إِلَى النَّكِرَةِ تَعَيَّنَ فِيهِ الْإِفْرَادُ وَالتَّذْكِيرُ، كَمَا تَقُولُ: خَدِيجَةُ أَوَّلُ النِّسَاءِ إِيمَانًا وَلَا تَقُولُ أُولَى النِّسَاءِ.
وَالْمُرَادُ بِالْمَرَّةِ مَرَّةٌ مِنْ مَرَّتَيْ مَجِيءِ الْآيَاتِ، فَالْمَرَّةُ الْأُولَى هِيَ مَجِيءُ الْقُرْآنِ، وَالْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَجِيءُ الْآيَةِ الْمُقْتَرَحَةِ، وَهِيَ مَرَّةٌ مَفْرُوضَةٌ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 7  صفحه : 443
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست