responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 6  صفحه : 42
وَلَمْ أَرَ لِلْأَشَاعِرَةِ جَوَابًا مُقْنِعًا، سِوَى أَنَّ إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي «الْإِرْشَادِ» أَجَابَ: بِأَنَّ هَذَا مُشْتَرِكُ الْإِلْزَامِ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّأَمُّلِ فِي الْمُعْجِزَةِ نَظَرِيٌّ لَا ضَرُورِيٌّ لَا مَحَالَةَ، فَلِمَنْ دَعَاهُ الرَّسُولُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَتَأَمَّلُ فِي الْمُعْجِزَةِ مَا لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ عَلَيَّ عَقْلًا، وَلَا يَجِبُ عَلَيَّ عَقْلًا مَا لَمْ أَنْظُرْ، لِأَنَّهُ وُجُوبٌ نَظَرِيٌّ، وَالنَّظَرِيُّ يَحْتَاجُ إِلَى تَرْتِيبِ مُقَدِّمَاتٍ، فَأَنَا لَا أُرَتِّبُهَا.
وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ جَمِيعُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَعْدَهُ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ مِثْلُ الْبَيْضَاوِيّ والعضد والتفتازانيّ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي «الشَّامِلِ» : إِنَّهُ اعْتِرَافٌ بِلُزُومِ الْإِفْحَامِ فَلَا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ بَلْ يُعَمِّمُهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَلَمْ يَحْصُلْ دَفْعُ الْإِشْكَالِ وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ رَدٌّ مُتَمَكِّنٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنْ يُسْقِطَ اسْتِدْلَالَ الْمُعْتَزِلَةِ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ بِتَمَحُّضِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ مَطْلُوبُنَا.
وَأَنَا أَرَى أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ بِأَحَدِ طَرِيقَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: بِالْمَنْعِ، وَهُوَ أَنْ نَمْنَعَ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ سَمَاعِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ، وَالنَّظَرِ فِي مُعْجِزَتِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ يَلْزَمُ إِفْحَامَ الرَّسُولِ، بَلْ نَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ ثَبَتَ بِالشَّرَائِعِ الَّتِي تَعَاقَبَ وُرُودُهَا بَيْنَ الْبَشَرِ، بِحَيْثُ قَدْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ لَهُ عَلَاقَةٌ بِالْمَدَنِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ بِأَنَّ دُعَاةً أَتَوْا إِلَى النَّاسِ فِي عُصُورٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَدَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ: كُلٌّ يَقُولُ إِنَّهُ مَبْعُوثٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى مَا يُرِيدُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَاسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ كُلِّهِمْ أَنَّ هُنَالِكَ إِيمَانًا وَكُفْرًا، وَنَجَاةً وَارْتِبَاقًا، اسْتِقْرَارًا لَا يَجِدُونَ فِي نُفُوسِهِمْ سَبِيلًا إِلَى دَفْعِهِ، فَإِذَا دَعَا الرَّسُولُ النَّاسَ إِلَى الْإِيمَانِ حَضَرَتْ فِي نَفْسِ الْمَدْعُوِّ
السَّامِعِ تِلْكَ الْأَخْبَارُ الْمَاضِيَةُ وَالْمُحَاوَرَاتُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ وُجُوبًا اضْطِرَارِيًّا اسْتِمَاعُهُ وَالنَّظَرُ فِي الْأَمْرِ الْمُقَرَّرِ فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ، وَلِذَلِكَ آخَذَ اللَّهُ أَهْلَ الْفَتْرَةِ بِالْإِشْرَاكِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَلِذَلِكَ فَلَوْ قَدَّرْنَا أَحَدًا لَمْ يُخَالِطْ جَمَاعَاتِ الْبَشَرِ، وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُ شُعُورٌ بِأَنَّ النَّاسَ آمَنُوا وَكَفَرُوا وَأَثْبَتُوا وَعَطَّلُوا، لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِصْغَاءُ إِلَى الرَّسُولِ لِأَنَّ ذَلِكَ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 6  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست