responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 6  صفحه : 213
بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. وَهَذَا تَأْوِيلٌ ثَالِثٌ فِي الْآيَةِ، لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا حَكَمَ بِغَيْرِهِ، بِأَنْ تَرَكَ الْحُكْمَ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ دَعَا إِلَى الصُّلْحِ، لَا تَخْتَلِفُ الْأُمَّةُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا آثِمٍ، وَإِلَّا لَلَزِمَ كُفْرُ كُلِّ حَاكِمٍ فِي حَالِ عَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ لِلْحُكْمِ، وَكُفْرُ كُلِّ مَنْ لَيْسَ بِحَاكِمٍ. فَالْمَعْنَى: وَمَنْ حَكَمَ فَلَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنزل الله.
[45]

[سُورَة الْمَائِدَة (5) : آيَة 45]
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
عُطِفَتْ جُمْلَةُ كَتَبْنا عَلَى جُمْلَةِ أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ [الْمَائِدَة: 44] . وَمُنَاسَبَةُ عَطْفِ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ غَيَّرُوا أَحْكَامَ الْقِصَاصِ كَمَا غَيَّرُوا أَحْكَامَ حَدِّ الزِّنَى، فَفَاضَلُوا بَيْنَ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى، كَمَا سَيَأْتِي، فَلِذَلِكَ ذَيَّلَهُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، كَمَا ذَيَّلَ الْآيَةَ الدَّالَّةَ عَلَى تَغْيِيرِ حُكْمِ حَدِّ الزِّنَى بِقَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [الْمَائِدَة: 44] .
وَالْكَتْبُ هُنَا مَجَازٌ فِي التَّشْرِيعِ وَالْفَرْضِ بِقَرِينَةِ تَعْدِيَتِهِ بِحَرْفِ (عَلَى) ، أَيْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا، أَيْ فِي التَّوْرَاةِ مَضْمُونَ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، وَهَذَا الْحُكْمُ مَسْطُورٌ فِي التَّوْرَاةِ أَيْضًا، كَمَا اقْتَضَتْ تَعْدِيَةُ فِعْلِ كَتَبْنا بِحَرْفِ (فِي) فَهُوَ مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ، وَمَجَازِهِ.
وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يُسْتَطَاعُ جَحْدُهُ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ وَالْكِتَابَةُ تَزِيدُ الْكَلَامَ تَوَثُّقًا، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [282] ، وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
وَهَلْ يَنْقُضُ مَا فِي الْمَهَارِقِ الْأَهْوَاءُ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 6  صفحه : 213
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست