responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 8
وَالْوَرَاءُ هُنَا بِمَعْنَى غَيْرَ وَدُونَ، كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
وَلَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَذْهَبُ وَهُوَ مَجَازٌ لِأَنَّ الْوَرَاءَ هُوَ الْجِهَةُ الَّتِي هِيَ جِهَةُ ظَهْرِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ. وَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِحَالِ الْمُخَاطَبِينَ بِحَالِ السَّائِرِ يَتْرُكُ مَا وَرَاءَهُ وَيَتَجَاوَزُهُ.
وَالْمَعْنَى: أَحَلَّ لَكُمْ مَا عَدَا أُولَئِكُمُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهَذَا أُنْزِلَ قَبْلَ تَحْرِيمِ مَا حَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ نَحْوَ (لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا) ، وَنَحْوَ (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ) .
وَقَوْلُهُ: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ (مَا) بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْمَوْصُولِ مَفْعُولًا لِ (أُحِلَّ) ، وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ تَبْتَغُوهُنَّ بِأَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ النِّسَاءَ الْمُبَاحَاتِ لَا تَحِلُّ إِلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِعْطَاءِ الْمُهُورِ، فَالْعَقْدُ هُوَ مَدْلُولُ (تَبْتَغُوا) ، وَبَذْلُ الْمَهْرِ هُوَ مَدْلُولُ (بِأَمْوالِكُمْ) ، وَرَابِطُ الْجُمْلَةِ مَحْذُوفٌ: تَقْدِيرُهُ أَنْ تَبْتَغُوهُ، وَالِاشْتِمَالُ هُنَا كَالِاشْتِمَالِ فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ:
مَخَافَةَ عَمْرٍو أَنْ تَكُونَ جِيَادُهُ ... يُقَدْنَ إِلَيْنَا بَيْنَ حَافٍ وَنَاعِلِ
وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ أَنْ تَبْتَغُوا مَعْمُولًا لِلَامِ التَّعْلِيلِ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ أَحَلَّهُنَّ لِتَبْتَغُوهُنَّ بِأَمْوَالِكُمْ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ عَيْنُ مَا قُرِّرَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
ومُحْصِنِينَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ (تَبْتَغُوا) أَيْ مُحْصِنِينَ أَنْفُسَكُمْ مِنَ الزِّنَى، وَالْمُرَادُ مُتَزَوِّجِينَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ. غَيْرَ مُسافِحِينَ حَالٌ ثَانِيَةٌ، وَالْمُسَافِحُ الزَّانِي، لِأَنَّ الزِّنَى
يُسَمَّى السِّفَاحَ، مُشْتَقًّا مِنَ السَّفْحِ، وَهُوَ أَنْ يُهْرَاقَ الْمَاءُ دُونَ حَبْسٍ، يُقَالُ: سَفَحَ الْمَاءُ.
وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ يَبْذُلُ كُلُّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ مَا رَامَهُ مِنْهُ دُونَ قيد وَلَا رضى وَلِيٍّ، فَكَأَنَّهُمُ اشْتَقُّوهُ مِنْ مَعْنَى الْبَذْلِ بِلَا تَقَيُّدٍ بِأَمْرٍ مَعْرُوفٍ لِأَنَّ الْمِعْطَاءَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ السَّفَّاحُ.
وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْمَرْأَةِ الْفَاحِشَةَ يَقُولُ لَهَا: سَافِحِينِي، فَرَجَعَ مَعْنَى السفاح إِلَى التباذل وَإِطْلَاقِ الْعِنَانِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ بِلَا عَقْدٍ، فَكَأَنَّهُ سَفَحَ سَفْحًا، أَيْ صَبًّا لَا يَحْجُبُهُ شَيْءٌ، وَغَيْرُ هَذَا فِي اشْتِقَاقِهِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالزِّنَى.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 8
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست