responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 53
وَالْبُخْلُ: ضِدُّ الْجُودِ وَقَدْ مَضَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [180] . وَمَعْنَى ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ يَحُضُّونَ النَّاسَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَشَدُّ الْبُخْلِ، قَالَ أَبُو تمّام:
وإنّ امْر أضنّت يَدَاهُ عَلَى امْرِئٍ ... بِنَيْلِ يَدٍ مِنْ غَيْرِهِ لَبَخِيلُ
وَالْكِتْمَانُ: الْإِخْفَاءُ. وَمَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَالُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [آل عمرَان: 180] فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَبْخَلُونَ وَيَعْتَذِرُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ كِتْمَانُ التَّوْرَاةِ بِمَا فِيهَا مِنْ صِفَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالَّذِينَ يَبْخَلُونَ:
الْمُنَافِقِينَ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِمُ: الْيَهُودَ وَهَذَا الْمَأْثُورُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي الْمُنَافِقِينَ، فَقَدْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [المُنَافِقُونَ: 7] . وَقَوْلُهُ: وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً، عَقِبَهُ، يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ. وَجُمْلَةُ: وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً مُعْتَرِضَةٌ.
وَأَصْلُ وأَعْتَدْنا أَعْدَدْنَا، أُبْدِلَتِ الدَّالُ الْأُولَى تَاءً، لِثِقَلِ الدَّالَيْنِ عِنْدَ فَكِّ الْإِدْغَامِ بِاتِّصَالِ ضَمِيرِ الرَّفْعِ، وَهَكَذَا مَادَّةُ أَعَدَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا أَدْغَمُوهَا لَمْ يُبْدِلُوا الدَّالَ بِالتَّاءِ
لِأَنَّ الْإِدْغَامَ أَخَفُّ، وَإِذَا أَظْهَرُوا أَبْدَلُوا الدَّالَ تَاءً، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: عَتَادٌ لِعُدَّةِ السِّلَاحِ، وَأَعْتُدٌ جَمْعُ عَتَادٍ.
وَوَصَفَ الْعَذَابَ بِالْمُهِينِ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى الِاخْتِيَالِ وَالْفَخْرِ.
وَعَطَفَ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ عَلَى الَّذِينَ يَبْخَلُونَ: لِأَنَّهُمْ أَنْفَقُوا إِنْفَاقًا لَا تَحْصُلُ بِهِ فَائِدَةُ الْإِنْفَاقِ غَالِبًا، لِأَنَّ مَنْ يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءً لَا يَتَوَخَّى بِهِ مَوَاقِعَ الْحَاجَةِ، فَقَدْ يُعْطِي الْغَنِيَّ وَيَمْنَعُ الْفَقِيرَ، وَأُرِيدَ بِهِمْ هُنَا الْمُنْفِقُونَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الْمُشْركين، وَلِذَلِكَ وُصِفُوا بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَقِيلَ: أُرِيدَ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَدِ انْقَطَعَ الْجِدَالُ مَعَهُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
وَجُمْلَةُ: وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً مُعْتَرِضَةٌ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 53
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست