responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 161
إِلَّا أَنَّ الْقَاتِلَ خَطَأً إِذَا كَانَ وَارِثًا لِلْقَتِيلِ لَا يَرِثُ مِنْ دِيَتِهِ. وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ تَعْوِيضِ الْمُتْلَفَاتِ، جُعِلَتْ عِوَضًا لِحَيَاةِ الَّذِي تَسَبَّبَ الْقَاتِلُ فِي قَتْلِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: تَكَايُلُ الدِّمَاءِ، وَقَالُوا: هُمَا بَوَاءٌ، أَيْ كُفْآنِ فِي الدَّمِ وَزَادُوا فِي دِيَةِ سَادَتِهِمْ.
وَجُعِلَ عَفْوُ أَهْلِ الْقَتِيلِ عَنْ أَخْذِ الدِّيَةِ صَدَقَةً مِنْهُمْ تَرْغِيبًا فِي الْعَفْوِ.
وَقَدْ أَجْمَلَ الْقُرْآنُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الدِّيَةِ وَبَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ بِأَنَّهُمُ الْعَاقِلَةُ، وَذَلِكَ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.
وَالْعَاقِلَةُ: الْقَرَابَةُ مِنَ الْقَبِيلَةِ. تَجِبُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِحَسَبِ التَّقَدُّمِ فِي التَّعْصِيبِ.
وَقَوْلُهُ: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ الْآيَةَ أَيْ إِنْ كَانَ الْقَتِيلُ مُؤْمِنًا وَكَانَ أَهْلُهُ كُفَّارًا، بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَدَاوَةٌ، يُقْتَصَرُ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ دُونَ دَفْعِ دِيَةٍ لَهُمْ، لِأَنَّ الدِّيَةَ: إِذَا اعْتَبَرْنَاهَا جَبْرًا لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ، فَلَمَّا كَانُوا أَعْدَاءً لَمْ تَكُنْ حِكْمَةٌ فِي جَبْرِ خَوَاطِرِهِمْ، وَإِذَا اعْتَبَرْنَاهَا عِوَضًا عَنْ مَنَافِعِ قَتِيلِهِمْ، مِثْلَ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، يَكُونُ مَنْعُهَا مِنَ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَلِأَنَّا لَا نُعْطِيهِمْ مَالَنَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَيْنَا. وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، إِنْ كَانَ الْقَتِيلُ الْمُؤْمِنُ بَاقِيًا فِي دَارِ قَوْمِهِ وَهُمْ كُفَّارٌ فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْقَتِيلُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَكَانَ أَوْلِيَاؤُهُ كُفَّارًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَسْقُطُ عَنِ الْقَاتِلِ دِيَتُهُ، وَتُدْفَعُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ:
تَسْقُطُ الدِّيَةُ لِأَنَّ سَبَبَ سُقُوطِهَا أَنَّ مُسْتَحِقِّيهَا كُفَّارٌ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِأَهْلِ الْقَتِيلِ لَا بِمَكَانِ إِقَامَتِهِ، إِذْ لَا أَثَرَ لِمَكَانِ الْإِقَامَةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَلَوْ كَانَتْ إِقَامَتُهُ غَيْرَ مَعْذُورٍ فِيهَا.
وَأَخْبَرَ عَنْ قَوْمٍ بِلَفْظِ عَدُوٍّ وَهُوَ مُفْرَدٌ، لِأَنَّ فَعُولًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ يَكْثُرُ فِي كَلَامِهِمْ أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا مُذَكَّرًا غَيْرَ مُطَابِقٍ لِمَوْصُوفِهِ، كَقَوْلِهِ: إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً [النِّسَاء: 101] لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة: 1] وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ [الْأَنْعَام: 112] ، وَامْرَأَةٌ عَدُوٌّ وَشَذَّ قَوْلُهُمْ عَدُوَّةٌ. وَفِي كَلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» أَنَّهُ قَالَ لِلنِّسْوَةِ اللَّاتِي كُنَّ بِحَضْرَةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 161
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست