responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 15
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ اعْتِرَاضٌ جَمَعَ مَعَانِيَ شَتَّى، أَنَّهُ أَمْرٌ، وَقَيْدٌ لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا إِلَخْ وَقَدْ تَحُولُ الشَّهْوَةُ وَالْعَجَلَةُ دُونَ تَحْقِيقِ شُرُوطِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَحَالَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمُ الْمُطَّلِعِ عَلَيْهِ رَبُّهُمْ. وَمِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِنِكَاحِ الْإِمَاءِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْحَرَائِرِ، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَرْضَوْنَ بِنِكَاحِ الْأَمَةِ وَجَعْلِهَا حَلِيلَةً، وَلَكِنْ يَقْضُونَ مِنْهُنَّ شَهَوَاتِهِمْ بِالْبِغَاءِ، فَأَرَادَ اللَّهُ إِكْرَامَ الْإِمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ، جَزَاءً عَلَى إِيمَانِهِنَّ، وَإِشْعَارًا بِأَنَّ وَحْدَةَ الْإِيمَانِ قَرَّبَتِ الْأَحْرَارَ مِنَ الْعَبِيدِ، فَلَمَّا شَرَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ ذَيَّلَهُ بُقُولِهِ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ، أَيْ بِقُوَّتِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ، هُوَ الَّذِي رَفَعَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ اللَّهِ دَرَجَاتٍ كَانَ إِيمَانُ الْإِمَاءِ مُقْنِعًا لِلْأَحْرَارِ بِتَرْكِ الِاسْتِنْكَافِ عَنْ تَزَوُّجِهِنَّ، وَلِأَنَّهُ رُبَّ أَمَةٍ يَكُونُ إِيمَانُهَا خَيْرًا مِنْ إِيمَانِ رَجُلٍ حُرٍّ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13] . وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْأَخِيرِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» ، وَابْنُ عَطِيَّةَ.
وَقَوْلُهُ: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ تَذْيِيلٌ ثَانٍ أَكَّدَ بِهِ الْمَعْنَى الثَّانِيَ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ
فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَرَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِمَاءَ مِنْ جَانِبِ الْوَحْدَةِ الدِّينِيَّةِ قَرَّبَهُنَّ إِلَيْهِمْ مِنْ جَانِبِ الْوَحْدَةِ النَّوْعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ كُلَّهُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ فَ (مِنْ) اتِّصَالِيَّةٌ.
وَفَرَّعَ عَنِ الْأَمْرِ بِنِكَاحِ الْإِمَاءِ بَيَانَ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ فَقَالَ: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَشَرَطَ الْإِذْنَ لِئَلَّا يَكُونَ سِرًّا وَزِنًى، وَلِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ دُونَ ذَلِكَ اعْتِدَاءٌ عَلَى حُقُوقِ أَهْلِ الْإِمَاءِ.
وَالْأَهْلُ هُنَا بِمَعْنَى السَّادَةِ الْمَالِكِينَ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ عَلَى سَادَةِ الْعَبِيدِ فِي كَلَامِ الْإِسْلَامِ. وَأَحْسَبُ أَنَّهُ مِنْ مُصْطَلَحَاتِ الْقُرْآنِ تَلَطُّفًا بِالْعَبِيدِ، كَمَا وَقَعَ النَّهْيُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ: سَيِّدِي، بَلْ يَقُولُ: مَوْلَايَ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ «أَنَّ أَهْلَهَا أَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ» .
وَالْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وَلَايَةِ السَّيِّدِ لِأَمَتِهِ، وَأَنَّهُ إِذَا نَكَحَتِ الْأَمَةُ بِدُونِ إِذَنِ السَّيِّدِ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ، وَلَوْ أَجَازَهُ سَيِّدُهَا. وَاخْتُلِفَ فِي الْعَبْدِ: فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَدَاوُدُ: هُوَ كَالْأَمَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ: إِذَا أَجَازَهُ السَّيِّدُ جَازَ، وَيُحْتَجُّ بِهَا لِاشْتِرَاطِ أَصْلِ الْوَلَايَةِ فِي الْمَرْأَةِ، احْتِجَاجًا ضَعِيفًا، وَاحْتَجَّ بِهَا
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 5  صفحه : 15
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست