responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 4  صفحه : 31
مُدَّةَ الْحَيَاةِ، وَهُوَ مَجَازٌ تَمْثِيلِيٌّ عِلَاقَتُهُ اللُّزُومُ، لِمَا
شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَنَّ سَاعَةَ الْمَوْتِ أَمْرٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ كَمَا قَالَ الصِّدِّيقُ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
فَالنَّهْيُ عَنِ الْمَوْتِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ مُفَارَقَةِ الْإِسْلَامِ فِي سَائِرِ أَحْيَانِ الْحَيَاةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ، لَكَانَ تَرْخِيصًا فِي مُفَارَقَةِ الْإِسْلَامِ إِلَّا عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ، وَهُوَ مَعْنًى فَاسِدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
وَقَوْلُهُ: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ثَنَّى أَمْرَهُمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ أَنْفُسِهِمْ لَأُخْرَاهُمْ، بِأَمْرِهِمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُ حَالِهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ، وَذَلِكَ بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى هَذَا الدِّينِ وَعَدَمِ التَّفَرُّقِ لِيَكْتَسِبُوا بِاتِّحَادِهِمْ قُوَّةً وَنَمَاءً. وَالِاعْتِصَامُ افْتِعَالٌ مِنْ عَصَمَ وَهُوَ طَلَبُ مَا يَعْصِمُ أَيْ يَمْنَعُ.
وَالْحَبْلُ: مَا يُشَدُّ بِهِ لِلِارْتِقَاءِ، أَوِ التَّدَلِّي، أَوْ لِلنَّجَاةِ مِنْ غَرَقٍ، أَوْ نَحْوِهِ، وَالْكَلَامُ تَمْثِيلٌ لِهَيْئَةِ اجْتِمَاعِهِمْ وَالْتِفَافِهِمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَوَصَايَاهُ وَعُهُودِهِ بِهَيْئَةِ اسْتِمْسَاكِ جَمَاعَةٍ بِحَبْلٍ أُلْقِيَ إِلَيْهِم من مُنْقِذٍ لَهُمْ مِنْ غَرَقٍ أَوْ سُقُوطٍ، وَإِضَافَةُ الْحَبْلِ إِلَى اللَّهِ قَرِينَةُ هَذَا التَّمْثِيلِ.
وَقَوْلُهُ: جَمِيعاً حَالٌ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَ إِرَادَةَ التَّمْثِيلِ، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ الْأَمْرَ بِاعْتِصَامِ كُلِّ مُسْلِمٍ فِي حَالِ انْفِرَادِهِ اعْتِصَامًا بِهَذَا الدِّينِ، بَلِ الْمَقْصُودُ الْأَمْرُ بِاعْتِصَامِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَيَحْصُلُ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ أَمْرُ كُلِّ وَاحِدٍ بِالتَّمَسُّكِ بِهَذَا الدّين، فَالْكَلَام أَمر لَهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا عَلَى هَاتِهِ الْهَيْئَةِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْمُنَاسِبُ لِتَمَامِ الْبَلَاغَةِ لِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ الِاعْتِصَامُ لِلتَّوْثِيقِ بِالدِّينِ وَعُهُودِهِ، وَعَدَمِ الِانْفِصَالِ عَنْهُ، وَيُسْتَعَارُ الْحَبْلُ لِلدِّينِ وَالْعُهُودِ كَقَوْلِهِ: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمرَان: 112] وَيَكُونُ كُلٌّ مِنَ الِاسْتِعَارَتَيْنِ تَرْشِيحًا لِلْأُخْرَى، لِأَنَّ مَبْنَى التَّرْشِيحِ عَلَى اعْتِبَارِ تَقْوِيَةِ التَّشْبِيهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ لَفْظِ مَا هُوَ مِنْ مُلَائِمَاتِ الْمُسْتَعَارِ، بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُلَائِمِ مُعْتَبَرَةٌ فِيهِ اسْتِعَارَةٌ أُخْرَى، إِذْ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 4  صفحه : 31
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست