responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 4  صفحه : 136
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ، فَقَالَ هِرَقْلُ: وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ. فَظَنُّهُمْ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَقٍّ.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ ظَنُّ الْجَاهِلِيَّةَ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا الْإِيمَانَ أَصْلًا فَهَؤُلَاءِ الْمُتَظَاهِرُونَ بِالْإِيمَانِ لَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ فَبَقِيَتْ مَعَارِفُهُمْ كَمَا هِيَ مِنْ عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْجَاهِلِيَّةُ صِفَةٌ جَرَتْ عَلَى مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ بِالْفِئَةِ أَوِ الْجَمَاعَةِ، وَرُبَّمَا أُرِيدَ بِهِ حَالَةُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إِلَى الْجَاهِلِ أَيِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الدِّينَ وَالتَّوْحِيدَ، فَإِنَّ الْعَرَبَ أَطْلَقَتِ الْجَهْلَ عَلَى مَا قَابَلَ الْحِلْمَ، قَالَ ابْنُ الرُّومِيِّ:
بِجَهْلٍ كَجَهْلِ السَّيْفِ وَالسَّيْفُ مُنْتَضَى ... وَحِلْمٍ كَحِلْمِ السَّيْفِ وَالسَّيْفُ مُغْمَدُ
وَأُطْلِقَتِ الْجَهْلُ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ قَالَ السَّمَوْأَلُ.
فَلَيْسَ سَوَاءٌ عَالِمٌ وَجَهُولُ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
وَلَيْسَ جَاهِلُ شَيْءٍ مِثْلَ مَنْ عَلِمَا وَأَحْسَبُ أَنَّ لَفْظَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ، وَصَفَ بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ تَنْفِيرًا مِنَ الْجَهْلِ، وَتَرْغِيبًا فِي الْعِلْمِ، وَلِذَلِكَ يَذْكُرُهُ الْقُرْآنُ فِي مَقَامَاتِ الذَّمِّ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [الْمَائِدَة: 50] وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى [الْأَحْزَاب: 33] إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ [الْفَتْح: 26] . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ أَبِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ: اسْقِنَا كَأْسًا دِهَاقًا، وَفِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاءَ كَانَ يَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ. وَقَالُوا: شِعْرُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَيَّامُ الْجَاهِلِيَّةِ. وَلَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ كُلُّهُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَوْلُهُ: غَيْرَ الْحَقِّ مُنْتَصِبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ يَظُنُّونَ كَأَنَّهُ قِيلَ الْبَاطِلُ. وَانْتَصَبَ قَوْلُهُ: ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُبَيِّنِ لِلنَّوْعِ إِذْ كُلُّ أَحَدٍ يَعْرِفُ عَقَائِدَ الْجَاهِلِيَّةِ إِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهَا أَو تَارِكًا بهَا.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 4  صفحه : 136
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست