responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 30  صفحه : 594
قَدْ قُلْتُ لَمَّا جَاءَنِي فَخْرُهُ ... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
وَفِي تَقْدِيمِ الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ عَلَى الْأَمْرِ بِالِاسْتِغْفَارِ تَمْهِيدٌ لِإِجَابَةِ اسْتِغْفَارِهِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَقْدِيمِ الثَّنَاءِ قَبْلَ سُؤَالِ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي الصَّلْتِ:
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ عَنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَخْلُو عَنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ فَأُرِيدَ تَسْبِيحٌ يُقَارِنُ الْحَمْدَ عَلَى مَا أُعْطِيَهُ مِنَ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ وَدُخُولِ الْأُمَّةِ فِي الْإِسْلَامِ.
وَعَطْفُ الْأَمْرِ بِاسْتِغْفَارِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ مَعَ الْحَمْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ حَيِّزِ جَوَابِ إِذا، وَأَنَّهُ اسْتِغْفَارٌ يَحْصُلُ مَعَ الْحَمْدِ مِثْلَ مَا قُرِّرَ فِي فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اسْتِغْفَارٌ خَاصٌّ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ الَّذِي يَعُمُّ طَلَبَ غُفْرَانِ التَّقْصِيرِ وَنَحْوَهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ مِنْ شَأْنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ
قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ»
فَكَانَ تَعْلِيقُ الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ وَبِالِاسْتِغْفَارِ عَلَى حُصُولِ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ إِيمَاءً إِلَى تَسْبِيحٍ وَاسْتِغْفَارٍ يَحْصُلُ بِهِمَا تَقَرُّبٌ لَمْ يُنْوَ مِنْ قَبْلُ، وَهُوَ التَّهَيُّؤُ لِلِقَاءِ اللَّهِ، وَأَنَّ حَيَاته الدُّنْيَوِيَّة أَو شكت عَلَى الِانْتِهَاءِ، وَانْتِهَاءُ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ الَّتِي تَزِيدُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَفْعِ دَرَجَاتِهِ عِنْدَ رَبِّهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ التَّجَاوُزَ عَمَّا يَعْرِضُ لَهُ مِنِ اشْتِغَالٍ بِبَعْضِ الْحُظُوظِ الضَّرُورِيَّةِ لِلْحَيَاةِ أَوْ مِنِ اشْتِغَالٍ بِمُهِمٍّ مِنْ أَحْوَالِ الْأُمَّةِ يَفُوتُهُ بِسَبَبِهِ أَمْرٌ آخَرُ هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ، مِثْلَ فِدَاءِ أَسْرَى بَدْرٍ مَعَ فَوَاتِ مَصْلَحَةِ اسْتِئْصَالِهِمْ الَّذِي هُوَ أَصْلَحُ لِلْأُمَّةِ فَعُوتِبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى [الْأَنْفَال: 67] الْآيَةَ، أَوْ مِنْ ضَرُورَاتِ الْإِنْسَانِ كَالنَّوْمِ وَالطَّعَامِ الَّتِي تُنْقِصُ مِنْ حَالَةِ شَبَهِهِ بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ، فَكَانَ هَذَا إِيذَانًا بِاقْتِرَابِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِانْتِقَالِهِ مِنْ حَيَاةٍ تَحْمِلُ أَعْبَاءَ الرِّسَالَةِ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ فِي الْعُلْوِيَّاتِ الْمَلَكِيَّةِ.
وَالْكَلَامُ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ الرَّمْزِيَّةِ وَهِيَ لَا تُنَافِي إِرَادَةَ الْمَعْنَى الصَّرِيحِ بِأَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ بِالتَّسْبِيحِ وَالِاسْتِغْفَارِ عَلَى مَعْنَى الْإِكْثَارِ مِنْ قَوْلِ ذَلِكَ. وَقَدْ دَلَّ ذَوْقُ الْكَلَامِ بَعْضَ ذَوي الأفهام النافدة مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنى وغاصب عَلَيْهِ مِثْلَ
أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْعَبَّاسِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ مَسْعُودٍ، فَعَنْ مُقَاتِلٍ: «لَمَّا نَزَلَتْ قَرَأَهَا
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 30  صفحه : 594
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست