responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 33
وَ (إِذْ قالَ) ظَرْفٌ لِـ (حَاجَّ) . وَقَدْ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَاحْتَجَّ بِحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ يُدْرِكُهَا كُلُّ عَاقِلٍ وَهِيَ أَنَّ الرَّبَّ الْحَقَّ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ إِحْيَاءَ مَيِّتٍ فَلِذَلِكَ ابْتَدَأَ إِبْرَاهِيمُ الْحُجَّةَ بِدَلَالَةِ عَجْزِ النَّاسِ عَنْ إِحْيَاءِ الْأَمْوَاتِ، وَأَرَادَ بِأَنَّ اللَّهَ يُحْيِي أَنَّهُ يَخْلُقُ الْأَجْسَامَ الْحَيَّةَ مِنَ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ. وَفِي تَقْدِيمِ الِاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ الْحَيَاةِ إِدْمَاجٌ لِإِثْبَاتِ الْبَعْثِ لِأَنَّ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، وَهُمْ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ. وَذَلِكَ مَوضِع الْعبْرَة من سِيَاقِ الْآيَةِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَسَامِعِ أَهْلِ الشِّرْكِ، ثُمَّ أعقبه بِدلَالَة الْأَمَانَة، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ تَنْهِيَةَ حَيَاةِ الْحَيِّ، فَفِي الْإِحْيَاء وَالْأَمَانَة دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ فِعْلِ فَاعِلٍ غَيْرِ الْبَشَرِ، فَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ. فَاللَّهُ هُوَ الْبَاقِي دُونَ غَيْرِهِ الَّذِينَ لَا حَيَاةَ لَهُمْ أَصْلًا كَالْأَصْنَامِ إِذْ لَا يُعْطُونَ الْحَيَاةَ غَيْرَهُمْ وَهُمْ فَاقِدُوهَا، وَدُونَ مَنْ لَا يَدْفَعُ الْمَوْتَ عَلَى نَفْسِهِ مِثْلُ هَذَا الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ.
وَجُمْلَةُ قالَ أَنَا أُحْيِي بَيَان لحاجّ وَالتَّقْدِيرُ حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ حِينَ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ. وَقَدْ جَاءَ بِمُغَالَطَةٍ عَنْ جَهْلٍ أَوْ غُرُورٍ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ إِذْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْمِدُ إِلَى مَنْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ فَيَعْفُو عَنْهُ، وَإِلَى بَرِيءٍ فَيَقْتُلُهُ، كَذَا نَقَلُوهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ الْإِحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ مِنْ فِعْلِهِ هُوَ لِأَنَّ أَمْرَهُمَا خَفِيٌّ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ بُرْهَانٌ مَحْسُوسٌ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَلِفَ ضَمِيرِ (أَنَا) بِقَصْرِ الْأَلِفِ بِحَيْثُ يَكُونُ كَفَتْحَةٍ غَيْرِ مُشْبَعَةٍ وَذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ خَاصٌّ بِأَلِفِ (أَنَا) فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ مِثْلَهُمْ إِلَّا إِذَا وَقَعَ بَعْدَ الْأَلِفِ هَمْزَةُ قَطْعٍ مَضْمُومَةٌ أَوْ مَفْتُوحَةٌ كَمَا هُنَا، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الْأَنْعَام: 163] فَيَقْرَأهُ بِأَلِفٍ مَمْدُودَةٍ. وَفِي هَمْزَةِ الْقَطْعِ الْمَكْسُورَةِ رِوَايَتَانِ لِقَالُونَ عَنْ نَافِعٍ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ [الْأَعْرَاف: 188] وَهَذِهِ لُغَةٌ فَصَيْحَةٌ.
وَقَوْلُهُ: قالَ إِبْراهِيمُ مُجَاوَبَةٌ فَقُطِعَتْ عَنِ الْعَطْفِ جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ حِكَايَةِ الْمُحَاوَرَاتِ، وَقَدْ عَدَلَ إِبْرَاهِيمُ عَنِ الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الْإِحْيَاءِ الْمُحْتَجِّ بِهِ وَلَا مِنَ الْإِمَاتَةِ الْمُحْتَجِّ بِهَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ لِمَا عَلِمَ مِنْ مُكَابَرَةِ خَصْمِهِ وَانْتَقَلَ إِلَى مَا لَا يَسْتَطِيعُ الْخَصْمُ انْتِحَالَهُ، وَلِذَلِكَ بُهِتَ، أَيْ عَجَزَ لم يَجِدْ مُعَارَضَةً.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 3  صفحه : 33
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست