responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 29  صفحه : 235
بَعْدَ أَنْ ذَكَّرُوا قَوْمَهُمْ بِعَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَوِ اطْمَأَنُّوا بِتَذَكُّرِ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِمْ، عَادُوا إِلَى تَرْغِيبِهِمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، وَتَحْذِيرِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ. وَأُرِيدَ بِالْهُدَى الْقُرْآنُ إِذْ هُوَ الْمَسْمُوعُ لَهُمْ وَوَصَفُوهُ بِالْهُدَى لِلْمُبَالَغَةِ فِي أَنَّهُ هَادٍ.
وَمَعْنَى يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ، أَيْ بِوُجُودِهِ وَانْفِرَادِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إِحْضَارُ اسْمِهِ بِعُنْوَانِ الرَّبِّ إِذِ الرَّبُّ هُوَ الْخَالِقُ فَمَا لَا يَخْلُقُ لَا يُعْبَدُ.
وَجُمْلَةُ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْقَوْلِ الْمَحْكِيِّ عَنِ الْجِنِّ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَلَامًا مِنَ اللَّهِ مُوَجَّهًا لِلْمُشْرِكِينَ وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَعَاطِفَتَيْنِ.
وَالْبَخْسُ: الْغَبْنُ فِي الْأَجْرِ وَنَحْوِهِ.
وَالرَّهَقُ: الْإِهَانَةُ، أَيْ لَا يَخْشَى أَنْ يُبْخَسَ فِي الْجَزَاءِ عَلَى إِيمَانِهِ وَلَا أَنْ يُهَانَ.
وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَا يُؤْمِنُ يُهَانُ بِالْعَذَابِ. وَالْخِلَافُ فِي كَسْرِ هَمْزَةِ أَنَّا وَفَتْحِهَا كَالْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
وَجُمْلَةُ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً جَوَابٌ لِشَرْطِ (مَنْ) جُعِلَتْ بِصُورَةِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فَقُرِنَتْ بِالْفَاءِ مَعَ أَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ فِعْلٌ، وَشَأْنُ جَوَابِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِالْفَاءِ إِلَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ لِأَنْ يَكُونَ فِعْلَ الشَّرْطِ فَكَانَ اقْتِرَانُهُ بِالْفَاءِ وَهُوَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مُشِيرًا إِلَى إِرَادَةِ جَعْلِهِ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ بِحَيْثُ تَكُونُ الْجُمْلَةُ اسْمِيَّةً، وَالِاسْمِيَّةُ تَقْتَرِنُ بِالْفَاءِ إِذَا وَقَعَتْ جَوَابَ شَرْطٍ، فَكَانَ التَّقْدِيرُ هُنَا: فَهُوَ لَا يَخَافُ لِيَكُونَ دَالًّا عَلَى تَحْقِيقِ سَلَامَتِهِ مِنْ
خَوْفِ الْبَخْسِ وَالرَّهَقِ، وَلِيَدُلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِرَبِّهِ، فَتَقْدِيرُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ قَبْلَ الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ تَارَّةً وَالتَّقَوِّيَ أُخْرَى وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [الْبَقَرَة: 15] . وَاجْتَمَعَا هُنَا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي «الْكَشَّافِ» بِقَوْلِهِ: فَكَانَ دَالًّا عَلَى تَحْقِيقِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ نَاجٍ لَا مَحَالَةَ وَأَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ. وَكَلَامُ «الْكَشَّافِ» اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ مَزِيَّةِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَوْجِيهَ الْعُدُولِ عَنْ جَزْمِ الْفِعْلِ لِأَجْلِ ذَلِكَ.
وَقَدْ نَقُولُ: إِنَّ الْعُدُولَ عَنْ تَجْرِيدِ الْفِعْلِ مِنَ الْفَاءِ وَعَنْ جَزْمِهِ لِدَفْعِ إِيهَامِ أَنْ تَكُونَ لَا نَاهِيَةً، فَهَذَا الْعُدُولُ صَرَاحَةٌ فِي إِرَادَةِ الْوَعْدِ دُونَ احْتِمَالِ إِرَادَةِ النَّهْيِ.
وَفِي «شَرْحِ الدَّمَامِينِيِّ عَلَى التَّسْهِيلِ» : أَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ فِعْلًا مَنْفِيًّا
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 29  صفحه : 235
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست