responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 29  صفحه : 15
وَهَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ أَفْعَالِ الْعِلْمِ عَنِ الْعَمَلِ لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا إِذَا لَمْ يُذْكَرْ لِلْفِعْلِ مَفْعُولٌ فَإِذَا ذُكِرَ مَفْعُولٌ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُ الْفِعْلِ عَنِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ التَّقْدِيرَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ يُقَالُ فِي حَقِّهِمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا [مَرْيَم: 69] أَيْ: لِنَنْزِعَنَّ الَّذِينَ يُقَالُ فِيهِمْ: أَيُّهُمْ أَشَدُّ.
وَجَوَّزَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: لِيُعْلَمَ جَوَابُ سُؤَالِ سَائِلٍ: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.
قُلْتُ: وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ: أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا مُسْتَأْنَفَةً وَتَجْعَلَ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ: لِيَبْلُوَكُمْ وَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّحْضِيضِ عَلَى حُسْنِ الْعَمَلِ كَمَا هُوَ فِي قَوْلِ طَرَفَةَ:
إِذَا الْقَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتًى خِلْتُ أَنَّنِي ... عُنِيتُ فَلَمْ أَكْسُلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدْ
فَجَعَلَ الْاسْتِفْهَامَ تَحْضِيضًا.
وأَحْسَنُ تَفْضِيلٌ، أَيْ أَحْسَنُ عَمَلًا مِنْ غَيْرِهِ، فَالْأَعْمَالُ الْحَسَنَةُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْحُسْنِ إِلَى أَدْنَاهَا، فَأَمَّا الْأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ فَإِنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى لِأَنَّ الْبَلْوَى فِي أَحْسَنِ الْأَعْمَالِ تَقْتَضِي الْبَلْوَى فِي السَّيِّئَاتِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ إِحْصَاءَهَا وَالْإِحَاطَةَ بِهَا أَوْلَى فِي الْجَزَاءِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْاجْتِرَاءِ عَلَى الشَّارِعِ، وَمِنَ الْفَسَادِ فِي النَّفْسِ، وَفِي نِظَامِ الْعَالَمِ، وَذَلِكَ أَوْلَى بِالْعِقَابِ عَلَيْهِ فَفِي قَوْلِهِ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا إِيجَازٌ.
وَجُمْلَةُ: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا إِشَارَة إِلَى أَن صِفَاتِهِ تَعَالَى تَقْتَضِي تَعَلُّقًا بِمُتَعَلَّقَاتِهَا لِئَلَّا تَكُونَ مُعَطَّلَةً فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى نَقَائِضِهَا، فَأَمَّا الْعَزِيزُ فَهُوَ الْغَالِبُ الَّذِي لَا يَعْجَزُ عَنْ شَيْءٍ، وَذِكْرُهُ مُنَاسِبٌ لِلْجَزَاءِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، أَيْ لِيَجْزِيَكُمْ جَزَاءَ الْعَزِيزِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُخَالَفَاتِ وَالنُّكُولِ عَنِ الطَّاعَةِ. وَهَذَا
حَظُّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَمِلَهُمْ ضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ لِيَبْلُوَكُمْ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 29  صفحه : 15
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست