responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 240
وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ وَالِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْنَاهِ الْفِقْهِيِّ فَ الَّتِي تَبْغِي هِيَ الطَّائِفَةُ الظَّالِمَةُ الْخَارِجَةُ عَنِ الْحَقِّ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ لِأَنَّ بَغْيَهَا يَحْمِلُ الطَّائِفَةَ الْمَبْغِيَّ عَلَيْهَا أَنْ تُدَافِعَ عَنْ حَقِّهَا. وَإِنَّمَا جُعِلَ حُكْمُ قِتَالِ الْبَاغِيَةِ أَنْ تَكُونَ طَائِفَةً لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ يَعْسُرُ الْأَخْذُ عَلَى أَيْدِي ظُلْمِهِمْ بِأَفْرَادٍ مِنَ النَّاسِ وَأَعْوَانِ الشُّرْطَةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ كَفُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ بِالْجَيْشِ وَالسِّلَاحِ.
وَهَذَا فِي التَّقَاتُلِ بَيْنَ الْجَمَاعَاتِ وَالْقَبَائِلِ، فَأَمَّا خُرُوجُ فِئَةٍ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ أَشَدُّ وَلَيْسَ هُوَ مَوْرِدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَكِنَّهَا أَصْلٌ لَهُ فِي التَّشْرِيعِ. وَقَدْ بَغَى أَهْلُ الرِّدَّةِ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بَغْيًا بِغَيْرِ قِتَالٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبَغَى بُغَاةُ أَهْلِ مِصْرَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانُوا بُغَاةً عَلَى جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَبَى عُثْمَانُ قِتَالَهُمْ وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي إِرَاقَةِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ اجْتِهَادًا مِنْهُ فَوَجَبَ عَلَى الْمُسلمين طَاعَته لِأَن وَلِيُّ الْأَمْرِ وَلَمْ يَنْفُوا عَنِ الثُّوَّارِ حُكْمَ الْبَغْيِ.
وَيَتَحَقَّقُ وَصْفُ الْبَغْيِ بِإِخْبَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْفِئَةَ بَغَتْ عَلَى الْأُخْرَى أَوْ بِحُكْمِ الْخَلِيفَةِ الْعَالِمِ الْعَدْلِ، وَبِالْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ الْخَلِيفَةِ وَعَنِ الْجَمَاعَةِ بِالسَّيْفِ إِذَا أَمَرَ بِغَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا جَوْرٍ وَلَمْ تُخْشَ مِنْ عِصْيَانِهِ فِتْنَةٌ لِأَنَّ ضُرَّ الْفِتْنَةِ أَشَدُّ مِنْ شَدِّ الْجَوْرِ فِي غَيْرِ إِضَاعَةِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ طَاعَةِ الْخَلِيفَةِ بَغْيٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ مَعَ الْخَلِيفَةِ.
وَقَدْ كَانَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَغْيِ وَصُوَرُهُ غَيْرَ مَضْبُوطٍ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا ضَبَطَهُ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَلَمْ تَطُلْ ثَمَّ بَعْدَ وَقْعَةِ صِفِّينَ، وَقَدْ كَانَ الْقِتَالُ فِيهَا بَيْنَ فِئَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنِ الْخَارِجُونَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، بَلْ كَانُوا شَرَطُوا لِمُبَايَعَتِهِمْ إِيَّاهُ أَخْذَ الْقَوَدِ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ مِنْهُمْ، فَكَانَ اقْتِنَاعُ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ مَجَالًا لِلِاجْتِهَادِ بَيْنَهُمْ وَقَدْ دَارَتْ بَيْنَهُمْ كُتُبٌ فِيهَا حُجَجُ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ الثَّابِتُ مِنْهَا وَالْمَكْذُوبُ إِذْ كَانَ الْمُؤَرِّخُونَ أَصْحَابَ أَهْوَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ يَرَيَانِ الْبَدَاءَةَ بِقَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَوْلَى، إِلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ حَقَّقُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْبَغْيَ فِي جَانِبِ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ بِالْخِلَافَةِ لَا تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِشَرْطٍ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 26  صفحه : 240
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست