responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 54
الْمُفَسِّرِينَ إِلَى ذَلِكَ هُوَ مَا أَلِفَهُ النَّاسُ مِنْ إِطْلَاقِ التَّعْمِيرِ عَلَى طُولِ عُمْرِ الْمُعَمَّرِ، فَلَمَّا تَأَوَّلُوهُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَلْحَقُوا تَأْوِيلَ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ عَلَى مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ.
وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ لِكَوْنِ جُمْلَةِ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ عَطَفًا عَلَى جُمْلَةِ وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ [يس: 67] فَهِيَ جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ عُطِفَتْ عَلَى جُمْلَةٍ شَرْطِيَّةٍ، فَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا جُمْلَةُ شَرْطٍ امْتِنَاعِيٍّ وَالْمَعْطُوفَةُ جُمْلَةُ شَرْطٍ تَعْلِيقِيٍّ، وَالْجُمْلَةُ الْأَوْلَى أَفَادَتْ إِمْهَالَهُمْ وَالْإِمْلَاءَ لَهُمْ، وَالْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ أَفَادَتْ إِنْذَارَهَمْ بِعَاقِبَةٍ غَيْرِ مَحْمُودَةٍ وَوَعِيدَهُمْ بِحُلُولِهَا بِهِمْ، أَيْ إِنْ كُنَّا لَمْ نَمْسَخْهُمْ وَلَمْ نَطْمِسْ عَلَى عُيُونِهِمْ فَقَدْ أَبْقَيْنَاهُمْ لِيَكُونُوا مَغْلُوبِينَ أَذِلَّةً، فَمَعْنَى وَمَنْ نُعَمِّرْهُ مَنْ نُعَمِّرْهُ مِنْهُمْ.
فَالتَّعْمِيرُ بِمَعْنَى الْإِبْقَاءِ، أَيْ مَنْ نُبْقِيهِ مِنْهُمْ وَلَا نَسْتَأْصِلُهُ مِنْهُمْ، أَيْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَهُ بَين الْأُمَم دَلِيلا، فَالتَّعْمِيرُ الْمُرَادُ هُنَا كَالتَّعْمِيرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر: 37] ، بِأَنَّ مَعْنَاهَا: أَلَمْ نُبْقِكُمْ مُدَّةً مِنَ الْحَيَاةِ تَكْفِي الْمُتَأَمِّلَ وَهُوَ الْمُقَدَّرُ بِقَوْلِهِ: مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ التَّعْمِيرِ فِيهَا طُولَ الْحَيَاةِ وَإِدْرَاكَ الْهَرَمِ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بِجَمِيعِ أَهْلِ النَّارِ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ. وَقَدْ طُوِيَتْ فِي الْكَلَامِ جُمْلَةٌ تَقْدِيرُهَا: وَلَوْ نَشَاءُ
لَأَهْلَكْنَاهُمْ، يَدُلُّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ أَيْ نُبْقِهِ حَيا.
والنكس: حَقِيقَته قَلْبِ الْأَعْلَى أَسْفَلَ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنَ الْأَسْفَلِ، قَالَ تَعَالَى: ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ [السَّجْدَة: 12] . وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى الرُّجُوعِ مِنْ حَالٍ حَسَنَةٍ إِلَى سَيِّئَةٍ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: فُلَانٌ نَكِسٌ، إِذَا كَانَ ضَعِيفًا لَا يُرْجَى لِنَجْدَةٍ، وَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَأَنَّهُ مَنْكُوسٌ فِي خَلَائِقِ الرُّجُولَةِ، فَ نُنَكِّسْهُ مَجَازٌ لَا مَحَالَةَ إِلَّا أَنَّا نَجْعَلُهُ مَجَازًا فِي الْإِذْلَالِ بَعْدَ الْعِزَّةِ وَسُوءِ الْحَالَةِ بَعْدَ زَهْرَتِهَا.
والْخَلْقِ: مَصْدَرُ خَلَقَهُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَخْلُوقِ كَثِيرًا وَعَلَى النَّاسِ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي رَأَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِالْحَبَشَةِ قَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، أَيْ شَرَارُ النَّاسِ.
وَوُقُوعُ حَرْفِ فِي هُنَا يُعَيِّنُ أَنَّ الْخَلْقَ هَنَا مُرَادٌ بِهِ النَّاسُ، أَيْ تَجْعَلُهُ دَلِيلًا فِي
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 54
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست