responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 189
فَعُقِّبَ ذَلِكَ بِتَأْيِيسِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ إِدْخَالِ الْفِتْنَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي إِيمَانِهِمْ بِمَا يُحَاوِلُونَ مِنْهُمْ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الشِّرْكِ، أَوْ هِيَ فَاءٌ فَصِيحَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ مُنَزَّهُونَ عَنْ مِثْلِ قَوْلِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَفْتِنُونَ إِلَّا من هُوَ صالي الْجَحِيمِ.
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ دَاخِلًا فِي حَيِّزِ الِاسْتِفْتَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ [الصافات: 149] الْآيَةَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات: 158] الْآيَةَ. وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَما تَعْبُدُونَ وَاوُ الْعَطْفِ أَوْ وَاوُ الْمَعِيَّةِ وَمَا بَعْدَهَا مَفْعُولٌ مَعَهُ وَالْخَبَرُ هُوَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ. وَضَمِيرُ أَنْتُمْ خِطَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ مِثْلُ ضَمِيرِ «إِنَّكُمْ» .
وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ مُصْطَحَبِينَ بِالْجِنِّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهُمْ لَا تَفْتِنُونَ أَحَدًا. وَوَجْهُ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ مَعَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُمَوِّهُونَ لِلنَّاسِ أَنَّ الْجِنَّ تَنْفَعُ وَتَضُرُّ وَأَنَّ الْأَصْنَامَ كَذَلِكَ وَكَانُوا يُخَوِّفُونَ النَّاسَ مِنْ بَأْسِهَا وَانْتِقَامِهَا كَمَا قَالَتِ امْرَأَةُ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ لَمَّا أَسْلَمَ وَدَعَاهَا إِلَى الْإِسْلَامِ «أَلَا تَخْشَى عَلَى الصِّبْيَةِ مِنْ ذِي الشَّرَى؟ قَالَ: لَا» فَأَسْلَمَتْ وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ يَسُبُّ الْأَصْنَامَ يُصِيبُهُ الْبَرَصُ أَوِ الْجُذَامُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا قَدِمَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَافِدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ عِنْد النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَوْلِهِ: بَاسَتِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى. فَقَالُوا: يَا ضِمَامُ اتَّقِ الْجُذَامَ اتَّقِ الْجُنُونَ.
وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا يُسْنَدُ إِلَيْهَا الْإِفْتَانُ.
وَجَوَّزَ فِي «الْكَشَّافِ» أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَما تَعْبُدُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ سَادًّا مَسَدَّ خَبَرِ (إِنَّ) ، وَالْمَعْنَى: فَإِنَّكُمْ مَعَ مَا تَعْبُدُونَ، أَيْ فَإِنَّكُمْ قُرَنَاءُ لِآلِهَتِكُمْ لَا تَبْرَحُونَ تَعْبُدُونَهَا، وَهَذَا كَمَا يَقُولُونَ «كُلُّ رَجُلٍ وَضَيْعَتَهُ» أَيْ مَعَ ضَيْعَتِهِ، أَيْ مُقَارِنٌ لَهَا.
وَمَا تَعْبُدُونَ صَادِقٌ عَلَى الْجِنِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ [الْأَنْعَام:
100] لِأَنَّ الْجِنَّ تَصْدُرُ مِنْهُمْ فِتْنَةُ النَّاسِ بِالْإِشْرَاكِ دُونَ الْأَصْنَامِ إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْهَا
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 23  صفحه : 189
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست