responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 20  صفحه : 216
مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ. فَهَؤُلَاءِ اسْتَنْزَلَهُمُ الشَّيْطَانُ فَعَادُوا إِلَى الْكُفْرِ بِقُلُوبِهِمْ لِضَعْفِ إِيمَانِهِمْ وَكَانَ مَا لَحِقَهُمْ مِنَ الْأَذَى سَبَبًا
لِارْتِدَادِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ جَعَلُوا يُظْهِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ مَعَهم. وَلَعَلَّ هَذَا التَّظَاهُرَ كَانَ بِتَمَالُؤٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ فَرَضُوا مِنْهُمْ بِأَنْ يَخْتَلِطُوا بِالْمُسْلِمِينَ لِيَأْتُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ: فَعَدَّهُمُ اللَّهُ مُنَافِقِينَ وَتَوَعَّدَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
وَقَدْ أَوْمَأَ قَوْلُهُ تَعَالَى مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ إِلَى أَنَّ إِيمَانَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَرْسَخْ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَوْمَأَ قَوْلُهُ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ إِلَى أَنَّ هَذَا الْفَرِيقَ مُعَذَّبُونَ بِعَذَابِ اللَّهِ، وَأَوْمَأَ قَوْلُهُ: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ [العنكبوت: 11] إِلَى أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ يُبْطِنُونَ الْكُفْرَ، فَلَا جَرَمَ أَنَّهُمْ مِنَ الْفَرِيقِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النَّحْل: 106] ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ الْفَرِيقِ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [النَّحْل: 106] . فَلَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَآيَاتِ أَوَاخِرِ سُورَةِ النَّحْلِ اخْتِلَافٌ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ سُكُوتِ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ ذِكْرِهِمُ الْأَحْكَامَ الْمُسْتَنْبَطَةَ مِنْ آيَاتِ سُورَةِ النَّحْلِ.
وَحَرْفُ الظَّرْفِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ أُوذِيَ فِي اللَّهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ كَاللَّامِ، أَيْ أُوذِيَ لِأَجْلِ اللَّهِ، أَيْ لِأَجْلِ اتِّبَاعِ مَا دَعَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ يُرِيدُ جَعْلَهَا مُسَاوِيَةً لِعَذَابِ اللَّهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى أَصْلِ التَّشْبِيهِ، فَهَؤُلَاءِ إِنْ كَانُوا قَدِ اعْتَقَدُوا الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ فَمَعْنَى هَذَا الْجَعْلِ: أَنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ فَتَوَقَّوْا فِتْنَةَ النَّاسِ وَأَهْمَلُوا جَانِبَ عَذَابِ اللَّهِ فَلَمْ يَكْتَرِثُوا بِهِ إِعْمَالًا لِمَا هُوَ عَاجِلٌ وَنَبْذًا لِلْآجِلِ وَكَانَ الْأَحَقُّ بِهِمْ أَنْ يَجْعَلُوا عَذَابَ اللَّهِ أَعْظَمَ مِنْ أَذَى النَّاسِ، وَإِنْ كَانُوا نَبَذُوا اعْتِقَادَ الْبَعْثِ تَبَعًا لِنَبْذِهِمُ الْإِيمَانَ، فَمَعْنَى الْجَعْلِ: أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ كَعَذَابِ اللَّهِ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْجَزَاءِ.
فَالْخَبَرُ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنَ النَّاسِ إِلَى قَوْلِهِ كَعَذابِ اللَّهِ مُكَنًّى بِهِ عَنِ الذَّمِّ وَالِاسْتِحْمَاقِ عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ وَإِنْ كَانَ الذَّمُّ مُتَفَاوِتًا.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 20  صفحه : 216
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست