responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 67
وَالْكِتْمَانُ يَكُونُ بِإِلْغَاءِ الْحِفْظِ وَالتَّدْرِيسِ وَالتَّعْلِيمِ، وَيَكُونُ بِإِزَالَتِهِ مِنَ الْكِتَابِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرُهُ قَالَ تَعَالَى: وَتُخْفُونَ كَثِيراً [الْأَنْعَام: 91] ، يَكُونُ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ عَنْ مُرَادِ الشَّارِعِ لِأَنَّ إِخْفَاءَ الْمَعْنَى كِتْمَانٌ لَهُ، وَحَذْفُ مُتَعَلَّقِ يَكْتُمُونَ الدَّالِّ عَلَى الْمَكْتُومِ عَنْهُ لِلتَّعْمِيمِ أَيْ يَكْتُمُونَ ذَلِكَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ لِيَتَأَتَّى نِسْيَانُهُ وَإِضَاعَتُهُ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ مُتَعَلِّقٌ بِ (يَكْتُمُونَ) وَذَكَرَ هَذَا الظَّرْفَ لِزِيَادَةِ التَّفْظِيعِ لِحَالِ الْكِتْمَانِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَتَمُوا الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مَعَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَتَمُوا مَا لَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ لَكَانَ لَهُمْ بَعْضُ الْعُذْرِ أَنْ يَقُولُوا كَتَمْنَاهُ لِعَدَمِ اتِّضَاحِ مَعْنَاهُ فَكَيْفَ وَهُوَ قَدْ بُيِّنَ وَوَضَحَ فِي التَّوْرَاةِ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِلنَّاسِ لَامُ التَّعْلِيلِ أَيْ بَيَّنَّاهُ فِي الْكِتَابِ لِأَجْلِ النَّاسِ أَيْ أَرَدْنَا إِعْلَانَهُ وَإِشَاعَتَهُ أَيْ جَعَلْنَاهُ بَيِّنًا، وَفِي هَذَا زِيَادَةُ تَشْنِيعٍ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتَوْهُ مِنَ الْكِتْمَانِ وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ كِتْمَانًا لِلْحَقِّ وَحِرْمَانًا مِنْهُ هُوَ اعْتِدَاءٌ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ الَّذِي جُعِلَ لِأَجْلِهِ فَفِعْلُهُمْ هَذَا تَضْلِيلٌ وَظُلْمٌ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي (النَّاسِ) لِلِاسْتِغْرَاقِ لِأَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الشَّرَائِعَ لِهُدَى النَّاسِ كُلِّهِمْ وَهُوَ اسْتِغْرَاقٌ عُرْفِيٌّ أَيِ النَّاسِ الْمُشَرَّعِ لَهُمْ.
وَقَوْلُهُ: أُولئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الَّذِينَ يَكْتُمُونَ وَسَّطَ اسْمَ الْإِشَارَةِ بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْوَارِدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ صَارُوا أَحْرِيَاءَ بِهِ لِأَجْلِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ إِنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ جَعَلَتْهُمْ كَالْمُشَاهِدِينَ لِلسَّامِعِ فَأُشِيرَ إِلَيْهِمْ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَوْصَافِهِمْ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَفَادَتِ الْإِشَارَةُ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافَ
هِيَ سَبَبُ الْحُكْمِ وَهُوَ إِيمَاءٌ لِلْعِلَّةِ عَلَى حَدِّ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [الْبَقَرَة: 5] .
وَاخْتِيرَ اسْمُ إِشَارَةِ الْبَعِيدِ لِيَكُونَ أَبْعَثَ لِلسَّامِعِ عَلَى التَّأَمُّلِ مِنْهُمْ وَالِالْتِفَاتِ إِلَيْهِمْ أَوْ لِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ هُوَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فِي كَلَامِهِمْ.
وَقَدِ اجْتَمَعَ فِي الْآيَة إِيمَان إِلَى وَجْهِ تَرَتُّبِ اللَّعْنِ عَلَى الْكِتْمَانِ وَهُمَا الْإِيمَاءُ بِالْمَوْصُولِ إِلَى وَجه بِنَاء الْخَبَر أَيْ عِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ، وَالْإِيمَاءُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَحْرَوِيَّتِهِمْ بِذَلِكَ، فَكَانَ تَأْكِيدُ الْإِيمَاءِ إِلَى التَّعْلِيلِ قَائِمًا مُقَامَ التَّنْصِيصِ عَلَى الْعِلَّةِ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 67
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست