responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 502
الْإِنْسَانَ بِمَا أَوْدَعَهُ مِنَ الْعَقْلِ هُوَ الْمُهَيْمِنُ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ. وَجَعَلَ لَهُ الْعِلْمَ بِمَا فِي الْأَنْوَاعِ مِنَ الْخَصَائِصِ، وَبِمَا فِي أَفْرَادِ نَوْعِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ. فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى أَسْبَابَ الدِّفَاعِ بِمَنْزِلَةِ دَفْعٍ مِنَ اللَّهِ يَدْفَعُ مُرِيدَ الضُّرِّ بِوَسَائِلَ يَسْتَعْمِلُهَا الْمُرَادُ إِضْرَارُهُ، وَلَوْلَا هَذِهِ الْوَسَائِلُ الَّتِي خَوَّلَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَفْرَادَ الْأَنْوَاعِ، لَاشْتَدَّ طَمَعُ الْقُوَى فِي إِهْلَاكِ الضَّعِيفِ، وَلَاشْتَدَّتْ جَرَاءَةُ مَنْ يَجْلِبُ النَّفْعَ إِلَى نَفْسِهِ عَلَى مَنَافِعَ يَجِدُهَا فِي غَيْرِهِ، فَابْتَزَّهَا مِنْهُ، وَلَأَفْرَطَتْ أَفْرَادُ كُلِّ نَوْعٍ فِي جَلْبِ النَّافِعِ الْمُلَائِمِ إِلَى أَنْفُسِهَا بِسَلْبِ النَّافِعِ الْمُلَائِمِ لِغَيْرِهَا، مِمَّا هُوَ لَهُ، وَلَتَنَاسَى صَاحِبُ الْحَاجَةِ حِينَ الِاحْتِيَاجِ مَا فِي بَقَاءِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ لَهُ أَيْضًا. وَهَكَذَا يَتَسَلَّطُ كُلُّ ذِي شَهْوَةٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَكُلُّ قَوِيٍّ عَلَى ضَعِيفِهِ، فَيُهْلِكُ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ، وَيُهْلِكُ الْأَقْوَى الْقَوِيَّ، وَتَذْهَبُ الْأَفْرَادُ تِبَاعًا، وَالْأَنْوَاعُ كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا أَقْوَى الْأَفْرَادِ مِنْ أَقْوَى الْأَنْوَاعِ، وَذَلِكَ شَيْءٌ قَلِيلٌ، حَتَّى إِذَا بَقِيَ أَعْوَزَتْهُ حَاجَاتٌ كَثِيرَةٌ لَا يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ، وَكَانَ يَجِدُهَا فِي غَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ نَوْعِهِ، كَحَاجَةِ أَفْرَادِ الْبَشَرِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ، أَوْ مِنْ أَنْوَاعٍ أُخَرَ، كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إِلَى الْبَقَرَةِ، فَيَذْهَبُ هَدْرًا.
وَلَمَّا كَانَ نَوْعُ الْإِنْسَانِ هُوَ الْمُهَيْمِنَ عَلَى بَقِيَّةِ مَوْجُودَاتِ الْأَرْضِ وَهُوَ الَّذِي تَظْهَرُ فِي أَفْرَادِهِ جَمِيعُ التَّطَوُّرَاتِ وَالْمَسَاعِي، خَصَّتْهُ الْآيَةُ بِالْكَلَامِ فَقَالَت: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ إِذْ جَعَلَ اللَّهُ فِي الْإِنْسَانِ الْقُوَّةَ الشَّاهِيَةَ لِبَقَائِهِ وَبَقَاءِ نَوْعِهِ، وَجَعَلَ فِيهِ الْقُوَّةَ الْغَاضِبَةَ لِرَدِّ الْمُفْرِطِ فِي طَلَبِ النَّافِعِ لِنَفْسِهِ، وَفِي ذَلِكَ اسْتِبْقَاءُ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يذب عَنْهَا لما فِي بَقَائِهَا مِنْ مَنَافِعَ لَهُ. وَبِهَذَا الدِّفَاعِ حَصَلَتْ سَلَامَةُ الْقَوِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَسَلَامَةُ الضَّعِيفِ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَوِيَّ إِذَا وَجَدَ التَّعَبَ وَالْمُكَدِّرَاتِ فِي جَلْبِ النَّافِعِ سَئِمَ ذَلِكَ، وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ. وَإِنَّمَا كَانَ الْحَاصِلُ هُوَ الْفَسَادَ، لَوْلَا الدِّفَاعُ، دُونَ الصَّلَاحِ، لِأَنَّ الْفَسَادَ كَثِيرًا مَا تَنْدَفِعُ إِلَيْهِ الْقُوَّةُ الشَّاهِيَةُ بِمَا يُوجَدُ فِي أَكْثَرِ الْمَفَاسِدِ مِنَ اللَّذَّاتِ الْعَاجِلَةِ الْقَصِيرَةِ الزَّمَنِ، وَلِأَن فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّفُوسِ أَوْ أَكْثَرِهَا
الْمَيْلَ إِلَى مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ، لِأَن طَبْعَ النُّفُوسِ الشِّرِّيرَةِ أَلَّا تُرَاعِيَ مَضَرَّةَ غَيْرِهَا، بِخِلَافِ النُّفُوسِ الصَّالِحَةِ، فَالنُّفُوسُ الشِّرِّيرَةُ أَعْمَدُ إِلَى انْتِهَاكِ حُرُمَاتِ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّ الْأَعْمَالَ الْفَاسِدَةَ أَسْرَعُ فِي حُصُولِ آثَارِهَا وَانْتِشَارِهَا، فَالْقَلِيلُ مِنْهَا يَأْتِي عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الصَّالِحَاتِ، فَلَا جَرَمَ لَوْلَا دِفَاعُ النَّاسِ بِأَنْ يُدَافِعَ صَالِحُهُمُ الْمُفْسِدِينَ، لَأَسْرَعَ ذَلِكَ فِي فَسَادِ حَالِهِمْ، وَلَعَمَّ الْفَسَادُ أُمُورَهُمْ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 502
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست