responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 424
وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
عَطْفُ هَذَا النَّهْيِ عَلَى النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا لِزِيَادَةِ التَّحْذِيرِ مِنْ صَنِيعِهِمْ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، لِقَصْدِ الْمُضَارَّةِ، بِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً بِأَحْكَامِ اللَّهِ الَّتِي شَرَّعَ فِيهَا حَقَّ الْمُرَاجَعَةِ، مُرِيدًا رَحْمَةَ النَّاسِ، فَيَجِبُ الْحَذَرُ مِنْ أَن يجعلوها هزءا.
وَآيَاتُ اللَّهِ هِيَ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ شَرَائِعِ الْمُرَاجِعَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [الْبَقَرَة: 228] إِلَى قَوْلِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [الْبَقَرَة:
230] .
وَالْهُزُءُ بِضَمَّتَيْنِ مَصْدَرُ هَزَأَ بِهِ إِذَا سَخِرَ وَلَعِبَ، وَهُوَ هُنَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، أَيْ لَا تَتَّخِذُوهَا مُسْتَهْزَأً بِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْمُخَاطَبُ بِهَذَا الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بِالَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِالْآيَاتِ، تَعَيَّنَ أَنَّ الْهُزُءَ مُرَادٌ بِهِ مَجَازُهُ وَهُوَ الِاسْتِخْفَافُ وَعَدَمُ الرِّعَايَةِ، لِأَنَّ الْمُسْتَخِفَّ بِالشَّيْءِ الْمُهِمِّ يُعَدُّ لِاسْتِخْفَافِهِ بِهِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَهَمِّيَّتِهِ، كَالسَّاخِرِ وَاللَّاعِبِ.
وَهُوَ تَحْذِيرٌ لِلنَّاسِ مِنَ التَّوَصُّلِ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ إِلَى مَا يُخَالِفُ مُرَادَ اللَّهِ، وَمَقَاصِدَ شَرْعِهِ، وَمِنْ هَذَا التَّوَصُّلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، مَا يُسَمَّى بِالْحِيَلِ الشَّرْعِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَى صُوَرٍ صَحِيحَةِ الظَّاهِرِ، بِمُقْتَضَى حُكْمِ الشَّرْعِ، كَمَنْ يَهِبُ مَالَهُ لِزَوْجِهِ لَيْلَةَ الْحَوْلِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ وُجُوبِ زَكَاتِهِ، وَمِنْ أَبْعَدِ الْأَوْصَافِ عَنْهَا الْوَصْفُ بِالشَّرْعِيَّةِ.
فَالْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ مُحَذَّرُونَ أَنْ يَجْعَلُوا حُكْمَ اللَّهِ فِي الْعِدَّةِ، الَّذِي قُصِدَ مِنْهُ انْتِظَارُ النَّدَامَةِ وَتَذَكُّرُ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، لَعَلَّهُمَا يَحْمِلَانِ الْمُطَّلِقَ عَلَى إِمْسَاكِ زَوْجَتِهِ حِرْصًا عَلَى بَقَاءِ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، فَيُغَيِّرُوا ذَلِكَ وَيَجْعَلُوهُ وَسِيلَةً إِلَى زِيَادَةِ النِّكَايَةِ، وَتَفَاقُمِ الشَّرِّ وَالْعَدَاوَةِ. وَفِي «الْمُوَطَّأِ» أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي مِائَةَ طَلْقَةٍ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «بَانَتْ مِنْكَ بِثَلَاثٍ، وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِهَا آيَات الله هزءا» يُرِيدُ أَنَّهُ عَمَدَ إِلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، بِحِكْمَةِ تَوَقُّعِ النَّدَامَةِ مَرَّةً أُولَى وَثَانِيَةً، فَجَعَلَهُ سَبَبُ نِكَايَةٍ وَتَغْلِيظٍ، حَتَّى اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَى نَفْسِهِ الْمُرَاجَعَةِ إِذْ جَعَلَهُ مِائَةً.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ حَذَّرَهُمْ دَعَاهُمْ بِالرَّغْبَةِ فَقَالَ:
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 424
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست