responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 355
ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَأنْزل الله وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى الْآيَةَ مَعَ أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَلَعَلَّ ذِكْرَ آيَةِ النِّسَاءِ وَهْمٌ مِنَ الرَّاوِي وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَاتُ الْمُحَذِّرَةُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ مِثْلُ آيَةِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [34] وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَفِي «تَفْسِير الطَّبَرِيّ» بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ عَزَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَنَزَلَتْ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ أَوْ أَنَّ مُرَادَ الرَّاوِي لَمَّا سَمِعَ النَّاسُ آيَةَ سُورَةِ النِّسَاءِ تَجَنَّبُوا النَّظَرَ فِي الْيَتَامَى فَذُكِّرُوا بِآيَةِ الْبَقَرَةِ إِنْ كَانَ السَّائِلُ عَنْ آيَةِ الْبَقَرَةِ غَيْرَ الْمُتَجَنِّبِ حِينَ نُزُولِ آيَةِ النِّسَاءِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّظَرَ فِي مَصَالِحِ الْأَيْتَامِ مِنْ أَهَمِّ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ فِي حِفْظِ النِّظَامِ فَقَدْ كَانَ
الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَسَائِرِ الْأُمَمِ فِي حَالِ الْبَسَاطَةِ يَكُونُ الْمَالُ بِيَدِ كَبِيرِ الْعَائِلَةِ فَقَلَّمَا تَجِدُ لِصَغِيرٍ مَالًا، وَكَانَ جُمْهُورُ أَمْوَالِهِمْ حَاصِلًا مِنَ اكْتِسَابِهِمْ لِقِلَّةِ أَهْلِ الثَّرْوَةِ فِيهِمْ، فَكَانَ جُمْهُورُ الْعَرَبِ إِمَّا زَارِعًا أَوْ غَارِسًا أَوْ مُغِيرًا أَوْ صَائِدًا، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَعْمَالِ تَنْقَطِعُ بِمَوْتِ مُبَاشِرِيهَا، فَإِذَا مَاتَ كَبِيرُ الْعَائِلَةِ وَتَرَكَ أَبْنَاءً صِغَارًا لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَكْتَسِبُوا كَمَا اكْتَسَبَ آبَاؤُهُمْ إِلَّا أَبْنَاءَ أَهْلِ الثَّرْوَةِ، وَالثَّرْوَةُ عِنْدَهُمْ هِيَ الْأَنْعَامُ وَالْحَوَائِطُ إِذْ لَمْ يَكُنِ الْعَرَبُ أَهْلَ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَأَنَّ الْأَنْعَامَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِمَنْ يَرْعَاهَا فَإِنَّهَا عُرُوضٌ زَائِلَةٌ وَأَنَّ الْغُرُوسَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِي ثَرْوَةِ الْعَرَبِ مِلْكُ الْأَرْضِ إِذِ الْأَرْضُ لَمْ تَكُنْ مُفِيدَةً إِلَّا لِلْعَامِلِ فِيهَا، عَلَى أَنَّ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ الْيَتِيمِ يَسْتَضْعِفُهُ وَيَسْتَحِلُّ مَالَهُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ لِنَفْسِهِ، وَكَرَمُ الْعَرَبِيِّ وَسَرَفُهُ وَشُرْبُهُ وَمَيْسِرُهُ لَا تُغَادِرُ لَهُ مَالًا وَإِنْ كَثُرَ. وَتَغَلُّبُ ذَلِكَ عَلَى مِلَاكِ شَهَوَاتِ أَصْحَابِهِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَرْكَهُ يَدْفَعُهُمْ إِلَى تَطَلُّبِ إِرْضَاءِ نُهْمَتِهِمْ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ يُصْبِحَ الْيَتِيمُ بَيْنَهُمْ فَقِيرًا مَدْحُورًا، وَزِدْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ تَأَصَّلَ فِيهِمُ الْكِبْرُ عَلَى الضَّعِيفِ وَتَوْقِيرُ الْقَوِيِّ فَلَمَّا عَدِمَ الْيَتِيمُ نَاصِرَهُ وَمن يذب عِنْد كَانَ بِحَيْثُ يُعَرَّضُ لِلْمَهَانَةِ وَالْإِضَاعَةِ وَيُتَّخَذُ كَالْعَبْدِ لِوَلِيِّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ صَارَ وَصْفُ الْيَتِيمِ عِنْدَهُمْ مُلَازِمًا لِمَعْنَى الْخَصَاصَةِ وَالْإِهْمَالِ وَالذُّلِّ، وَبِهِ يَظْهَرُ مَعْنَى امْتِنَانِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ أَنْ حَفِظَهُ فِي حَالِ الْيُتْمِ مِمَّا يَنَالُ الْيَتَامَى فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى [الضُّحَى: 6] . فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَهُمْ بِإِصْلَاحِ حَالِ الْيَتَامَى فِي أَمْوَالِهِمْ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِمْ حَتَّى قِيلَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ الْيَتَامَى تَرَكُوا التَّصَرُّفَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَاعْتَزَلُوا الْيَتَامَى وَمُخَالَطَتَهُمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَالْإِصْلَاحُ جَعْلُ الشَّيْءِ صَالِحًا أَيْ ذَا صَلَاحٍ وَالصَّلَاحُ ضِدُّ الْفَسَادِ، وَهُوَ كَوْنُ شَيْءٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهِ مُنْتَهَى مَا يُطْلَبُ لِأَجْلِهِ، فَصَلَاحُ الرَّجُلِ صُدُورُ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ مِنْهُ،
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 355
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست