responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 236
فَالتَّزَوُّدُ مُسْتَعَارٌ لِلِاسْتِكْثَارِ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ اسْتِعْدَادًا لِيَوْمِ الْجَزَاءِ شُبِّهَ بِإِعْدَادِ الْمُسَافِرِ الزَّادَ لِسَفَرِهِ بِنَاءً عَلَى إِطْلَاقِ اسْمِ السَّفَرِ وَالرَّحِيلِ عَلَى الْمَوْتِ. قَالَ الْأَعْشَى فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي أَنْشَأَهَا لِمَدْحِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ فِيهَا بَعْضَ مَا يَدْعُو النَّبِي إِلَيْهِ أَخْذًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مَنِ التقى ... وَلَا قيت بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ قَدْ تَزَوَّدَا

نَدِمْتَ أَنْ لَا تَكُونَ كَمِثْلِهِ ... وَأَنَّكَ لَمْ تُرْصِدْ بِمَا كَانَ أَرْصَدَا
فَقَوْلُهُ: فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ أَيِ التَّقْوَى أَفْضَلُ مِنَ التَّزَوُّدِ لِلسَّفَرِ فَكُونُوا عَلَيْهَا أَحْرَصَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ التَّزَوُّدُ مَعَ ذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ عَلَى وَجْهِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِإِعْدَادِ الزَّادِ لِسَفَرِ الْحَجِّ تَعْرِيضًا بِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ كَانُوا يَجِيئُونَ إِلَى الْحَجِّ دُونَ أَيِّ زَادٍ وَيَقُولُونَ نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ عَلَى اللَّهِ (¬1) فَيَكُونُونَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ بِالْإِلْحَافِ.
فَقَوْلُهُ: فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ إِلَخْ إِشَارَةٌ إِلَى تَأْكِيدِ الْأَمْرِ بِالتَّزَوُّدِ تَنْبِيهًا بِالتَّفْرِيعِ عَلَى أَنَّهُ مِنَ التَّقْوَى لِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ مَاءِ الْوَجْهِ وَالْعِرْضِ.
وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُونِ بِمَنْزِلَةِ التَّأْكِيدِ لِقَوْلِهِ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَلَمْ يَزِدْ إِلَّا قَوْلُهُ يَا أُولِي الْأَلْبابِ الْمُشِيرُ إِلَى أَن التوقي مِمَّا يَرْغَبُ فِيهِ أَهْلُ الْعُقُولِ.
وَالْأَلْبَابُ: جَمْعُ لُبٍّ وَهُوَ الْعَقْلُ، وَاللُّبُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: الْخَالِصُ مِنْهُ، وَفِعْلُهُ لَبُبَ يَلُبُّ بِضَمِّ اللَّامِ قَالُوا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَعُلَ يَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ مِنَ المضاعف إِلَّا عذا الْفِعْلِ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنْ يُونُسَ وَقَالَ ثَعْلَبٌ مَا أَعْرِفُ لَهُ نَظِيرًا.
فَقَوْلُهُ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ أَيِ التَّقْوَى أَفْضَلُ مِنَ التَّزَوُّدِ لِلسَّفَرِ فَكُونُوا عَلَيْهَا أَحْرَصَ، وَمَوْقِعُ قَوْلِهِ: وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبابِ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالتَّزَوُّدِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ مَعَ الْمَجَازِيِّ إِفَادَةُ الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى الَّتِي هِيَ زَادُ الْآخِرَةِ بِمُنَاسَبَةِ الْأَمْرِ بِالتَّزَوُّدِ لِحُصُولِ التَّقْوَى الدُّنْيَوِيَّةِ بِصَوْنِ الْعِرْضِ.
¬
(¬1) كَانُوا يَقُولُونَ: كَيفَ نحج بَيت الله وَلَا يطعمنا؟ وَكَانُوا يقدمُونَ مَكَّة بثيابهم الَّتِي قطعُوا بهَا سفرهم بَين الْيمن وَمَكَّة فيطوفون فِيهَا، وَكَانَ بَقِيَّة الْعَرَب يسمونهم الطلس لأَنهم يأْتونَ طلسا من الْغُبَار.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 236
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست