responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 19
وَهَذَا رَدٌّ مُتَمَكِّنٌ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعَدَالَةَ الْكَامِلَةَ الَّتِي هِيَ التَّوَسُّطُ بَيْنَ طَرَفَيْ إِفْرَاطٍ وَتَفْرِيطٍ تَسْتَلْزِمُ الْعِصْمَةَ مِنْ وُقُوعِ الْجَمِيعِ فِي الْخَطَأِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْمُعْتَقَدَاتِ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ لَوْ كَانَ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بَاطِلٌ لَانْثَلَمَتْ عَدَالَتُهُمُ اهـ، يَعْنِي أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتِ الْعَدَالَةَ الْكَامِلَةَ لِاجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ فَلَوْ كَانَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَمْرٍ بَاطِلٍ لَانْثَلَمَتْ عَدَالَتُهُمْ أَيْ كَانَتْ نَاقِصَةً وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ.
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ قَالَ جَمَاعَةٌ الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ وَهُمْ لَا يُجْمِعُونَ عَلَى خَطَأٍ فَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى الْإِجْمَاعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ عَدَالَةَ الصَّحَابَةِ لَا تُنَافِي الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ وَقَدْ يَكُونُ إِجْمَاعُهُمْ عَنِ اجْتِهَادٍ أَمَّا إِجْمَاعُهُمْ عَلَى مَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ فَيَنْدَرِجُ فِيمَا سَنَذْكُرُهُ.
وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ الْآيَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ فِيهَا مَدْحٌ لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا لَا لِخُصُوصِ عُلَمَائِهَا فَلَا مَعْنًى لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا مِنْ هَاتِهِ الْجِهَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْوَالِ بَعْضِ الْأُمَّةِ لَا مِنْ أَحْوَالِ جَمِيعِهَا، فَالْوَجْهُ أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى حُجِّيَّةِ إِجْمَاعِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ فِيمَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ لِلشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ وَبِمَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ اتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى نِسْبَةِ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ صفة للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا هُوَ تَشْرِيعٌ مُؤَصَّلٌ أَوْ بَيَانٌ مُجْمَلٌ مِثْلُ أَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَالرَّكَعَاتِ وَصِفَةِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَمِثْلُ نَقْلِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا
مِنْ أَحْوَالِ إِثْبَاتِ الشَّرِيعَةِ، بِهِ فُسِّرَتِ الْمُجْمَلَاتُ وَأُسِّسَتِ الشَّرِيعَةُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالُوا بِكَفْرِ جَاحِدِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْهُ (¬1) ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَبَرَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وِفَاقَ الْعَوَامِّ وَاعْتَبَرَ فِيهِ غَيْرُهُ عَدَدَ التَّوَاتُرِ، وَهُوَ الَّذِي يَصِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْأُصُولِيِّينَ بِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَدِلَّةِ كُلِّهَا (¬2) .
وَأَمَّا كَوْنُ الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى حُجِّيَّةِ إِجْمَاعِ الْمُجْتَهِدِينَ عَنْ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنَ الْآيَةِ إِلَّا بِأَنْ يُقَالَ إِنَّ الْآيَةَ يُسْتَأْنَسُ بِهَا لِذَلِكَ فَإِنَّهَا لَمَّا أَخْبَرَتْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَسَطًا وَعَلِمْنَا أَنَّ الْوَسَطَ هُوَ الْخِيَارُ الْعَدْلُ الْخَارِجُ مِنْ بَيْنِ طَرَفَيْ إِفْرَاطٍ وَتَفْرِيطٍ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْمَلَ عُقُولَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِمَا تُنَشَّأُ عَلَيْهِ عُقُولُهُمْ مِنَ الِاعْتِيَادِ بِالْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ وَمُجَانَبَةِ الْأَوْهَامِ السَّخِيفَةِ الَّتِي سَاخَتْ فِيهَا عُقُولُ الْأُمَمِ، وَمِنَ الِاعْتِيَادِ بِتَلَقِّي الشَّرِيعَةِ مِنْ طُرُقِ الْعُدُولِ وَإِثْبَاتِ أَحْكَامِهَا بِالِاسْتِدْلَالِ اسْتِنْبَاطًا بِالنِّسْبَةِ لِلْعُلَمَاءِ وَفَهْمًا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَامَّةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ عُقُولَ أَفْرَادِ هَاتِهِ الْأُمَّةِ عُقُولٌ قَيِّمَةٌ وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهَا وَسَطًا، ثُمَّ هَذِهِ الِاسْتِقَامَةُ تَخْتَلِفُ بِمَا يُنَاسِبُ كُلَّ طَبَقَةٍ مِنَ الْأُمَّةِ وَكُلَّ فَرْدٍ، وَلَمَّا كَانَ الْوَصْفُ الَّذِي ذُكِرَ
¬
(¬1) انْظُر «حَاشِيَة الْعَطَّار على جمع الْجَوَامِع» (2/ 238) ، دَار الْكتب العلمية، و «تيسير التَّحْرِير» (3/ 259، ط مصطفى الْحلَبِي.
(¬2) قَالَ الْغَزالِيّ: «يجب على الْمُجْتَهد أَن ينظر أول شَيْء فِي الْإِجْمَاع، فَإِن وجد فِي الْمَسْأَلَة إِجْمَاعًا ترك النّظر فِي الْكتاب وَالسّنة فَإِنَّهُمَا يقبلان النّسخ وَالْإِجْمَاع لَا يقبله، فالإجماع على خلاف مَا فِي الْكتاب وَالسّنة دَلِيل قَاطع على النّسخ إِذْ لَا تَجْتَمِع الْأمة على الْخَطَأ» انْظُر «الْمُسْتَصْفى» مَعَ «مُسلم الثُّبُوت» (2/ 392، دَار صادر.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 19
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست