responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 18
ذَمِيمَيْنِ فِيهِمَا إِفْرَاطٌ وَتَفْرِيطٌ كَالشَّجَاعَةِ بَيْنَ الْجُبْنِ وَالتَّهَوُّرِ، وَالْكَرَمِ بَيْنَ الشُّحِّ وَالسَّرَفِ وَالْعَدَالَةِ بَيْنَ الرَّحْمَةِ وَالْقَسَاوَةِ، فَذَلِكَ مَجَازٌ بِتَشْبِيهِ الشَّيْءِ الْمَوْهُومِ بِالشَّيْءِ الْمَحْسُوسِ فَلِذَلِكَ
رُوِيَ حَدِيثُ: «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا»
وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ شَاعَ هَذَانِ الإطلاقان حَتَّى صَارا حَقِيقَتَيْنِ عُرْفِيَّتَيْنِ.
فَالْوَسَطُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فُسِّرَ بِالْخِيَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمرَان: 110] وَفُسِّرَ بِالْعُدُولِ وَالتَّفْسِيرُ الثَّانِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي «سنَنه» من حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْجَمْعُ فِي التَّفْسِيرَيْنِ هُوَ الْوَجْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ.
وَوُصِفَتِ الْأُمَّةُ بِوَسَطٍ بِصِيغَةِ الْمُذَكَّرِ لِأَنَّهُ اسْمٌ جَامِدٌ فَهُوَ لِجُمُودِهِ يَسْتَوِي فِيهِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ مِثْلُ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ فِي الْجُمُودِ وَالْإِشْعَارِ بِالْوَصْفِيَّةِ بِخِلَافِ نَحْوِ رَأَيْتُ الزَّيْدَيْنِ هَذَيْنِ فَإِنَّهُ وَصَفٌ بِاسْمٍ مُطَابِقٍ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى صِفَةٍ بَلْ هُوَ إِشَارَةٌ مَحْضَةٌ لَا تشعر بِصفة فِي الذَّاتِ.
وَضَمِيرُ الْمُخَاطَبِينَ هَنَا مُرَاد بِهِ جَمِيع الْمُسْلِمِينَ لِتَرَتُّبِهُ عَلَى الِاهْتِدَاءِ لِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ فَيَعُمُّ كُلَّ مَنْ صَلَّى لَهَا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِتَكُونُوا شُهَداءَ قَدْ فُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِأَنَّهَا شَهَادَةُ الْأُمَّةِ كُلِّهَا عَلَى الْأُمَمِ فَلَا يَخْتَصُّ الضَّمِيرُ بِالْمَوْجُودِينَ يَوْمَ نُزُولِ الْآيَةِ.
وَالْآيَةُ ثَنَاءٌ على الْمُسلمين بِأَن اللَّهَ قَدِ ادَّخَرَ لَهُمُ الْفَضْلَ وَجَعَلَهُمْ وَسَطًا بِمَا هَيَّأَ لَهُمْ
مِنْ أَسْبَابِهِ فِي بَيَانِ الشَّرِيعَةِ بَيَانًا جَعَلَ أَذْهَانَ أَتْبَاعِهَا سَالِمَةً مِنْ أَنْ تُرَوَّجَ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَاتُ الَّتِي رَاجَتْ عَلَى الْأُمَمِ، قَالَ فَخْرُ الدِّينِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا وسطا بمنعي أَنَّهُمْ مُتَوَسِّطُونَ فِي الدِّينِ بَيْنَ الْمُفْرِطِ وَالْمُفَرِّطِ وَالْغَالِي وَالْمُقَصِّرِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَغْلُوا كَمَا غَلَتِ النَّصَارَى فَجَعَلُوا الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، وَلَمْ يُقَصِّرُوا كَمَا قَصَّرَتِ الْيَهُودُ فَبَدَّلُوا الْكُتُبَ وَاسْتَخَفُّوا بِالرُّسُلِ.
وَاسْتَدَلَّ أَهْلُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ أَيِ الْمُجْتَهِدِينَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ (¬1) ، وَفِي بَيَانِ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ طُرُقٌ:
الْأَوَّلُ قَالَ الْفَخْرُ إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ عَدَالَةِ الْأُمَّةِ وَخَيْرِيَّتِهَا فَلَوْ أَقْدَمُوا عَلَى مَحْظُورٍ لَمَا اتَّصَفُوا بِالْخَيْرِيَّةِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ كَوْنُ قَوْلِهِمْ حُجَّةً اه، أَيْ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْمُجْتَهِدِينَ عُدُولٌ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ احْتِمَالِ تَخَلُّفِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِمْ، وَيُبْطِلُ هَذَا أَنَّ الْخَطَأَ لَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ وَلَا الْخَيْرِيَّةَ فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنَ الْخَطَأِ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ
¬
(¬1) ذكر هَذَا من الْمُفَسّرين الْقُرْطُبِيّ فِي (2/ 156) ، الألوسي فِي (2/ 4، القاسمي فِي (2/ 286) .
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 18
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست