responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 18  صفحه : 255
وَقَوْلُ لَبِيَدٍ:
أَفَتِلْكَ أَمْ وَحْشِيَّةٌ مَسْبُوعَةٌ ... خَذَلَتْ وَهَادِيَةُ الصِّوَارِ قِوَامُهَا
فَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ هُنَا جَارِيًا عَلَى ذَلِكَ الشَّأْنِ كَانَ الْمَعْنَى تَمْثِيلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي أَعْمَالِهِمْ الَّتِي يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ بِحَالِ ظُلُمَاتِ لَيْلٍ غَشِيَتْ مَاخِرًا فِي بَحْرٍ شَدِيدِ الْمَوْجِ قَدْ اقْتَحَمَ ذَلِكَ الْبَحْرَ لِيَصِلَ إِلَى غَايَةٍ مَطْلُوبَةٍ، فَحَالُهُمْ فِي أَعْمَالِهِمْ تُشْبِهُ حَالَ سَابِحٍ فِي ظُلُمَاتِ لَيْلٍ فِي بَحْرٍ عَمِيقٍ يَغْشَاهُ مَوْجٌ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا لِشِدَّةِ تَعَاقُبِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ اشْتِدَادِ الرِّيَاحِ حَتَّى لَا يَكَادَ يَرَى يَدَهُ الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ شَيْءٍ إِلَيْهِ وَأَوْضَحُهُ فِي رُؤْيَتِهِ فَكَيْفَ يَرْجُو النَّجَاةَ.
وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ جَارِيًا عَلَى التَّخْيِيرِ فِي التَّشْبِيهِ مَعَ اخْتِلَاف وَجه الشّبَه كَانَ الْمَعْنَى تَمْثِيلَ حَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا وَهُمْ غير مُؤمنين بِحَال مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ يَرْجُو بُلُوغَ غَايَةٍ فَإِذَا هُوَ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يَهْتَدِي مَعَهَا طَرِيقًا. فَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ مَا حَفَّ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْ ضَلَالِ الْكُفْرِ الْحَائِلِ دُونَ حُصُولِ مُبْتَغَاهُمْ.
وَيُرَجِّحُ هَذَا الْوَجْهَ تَذْيِيلُ التَّمْثِيلِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.
وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَقَوْلُهُ: كَظُلُماتٍ عَطْفٌ على كَسَرابٍ [النُّور: 39] وَالتَّقْدِيرُ:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَظُلُمَاتٍ.
وَهَذَا التَّمْثِيلُ مِنْ قَبِيلِ تَشْبِيهِ حَالَةٍ مَعْقُولَةٍ بِحَالَةٍ مَحْسُوسَةٍ كَمَا يُقَالُ: شَاهَدْتُ سَوَادَ الْكُفْرِ فِي وَجْهِ فُلَانٍ.
وَالظُّلُمَاتُ: الظُّلْمَةُ الشَّدِيدَةُ. وَالْجَمْعُ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ الْكَثْرَةِ وَهُوَ الشِّدَّةُ، فَالْجَمْعُ كِنَايَةٌ لِأَنَّ شِدَّةَ الظُّلْمَةِ يَحْصُلُ مِنْ تَظَاهُرِ عِدَّةِ ظُلُمَاتٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ ظُلْمَةَ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ أَشَدُّ مِنْ ظُلْمَةِ عَقِبِ الْغُرُوبِ وَظُلْمَةُ الْعِشَاءِ أَشَدُّ مِمَّا قَبْلَهَا.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ لَفْظَ ظُلْمَةٍ بِالْإِفْرَادِ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ انْظُرْ أَوَّلَ سُورَةِ الْأَنْعَامِ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا فِي بَحْرٍ أَنَّهَا انْطَبَعَ سَوَادُهَا عَلَى مَاءِ بَحْرٍ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 18  صفحه : 255
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست