responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 18  صفحه : 225
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ مُوَجَّهٌ إِلَى الْمُسلمين، فَإِن كَانَتْ قِصَّةُ أَمَةِ ابْنِ أُبَيٍّ حَدَثَتْ بَعْدَ أَنْ أَظْهَرَ سَيِّدُهَا الْإِسْلَامَ كَانَ هُوَ سَبَبَ النُّزُولِ فَشَمِلَهُ الْعُمُومُ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ كَانَتْ حَدَثَتْ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْإِسْلَامُ فَهُوَ سَبَبٌ وَلَا يَشْمَلَهُ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ وَإِنَّمَا كَانَ تَذَمُّرُ أَمَتِهِ مِنْهُ دَاعِيًا لِنَهْيِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ إِكْرَاهِ فَتَيَاتِهِمْ عَلَى الْبِغَاءِ. وَأَيًّا مَا كَانَ فَالْفَتَيَاتُ مُسْلِمَاتٌ لِأَنَّ الْمُشْرِكَاتِ لَا يُخَاطَبْنَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.
وَقَدْ كَانَ إِظْهَارُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْإِسْلَامَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنِ الْهِجْرَةِ فَإِنَّهُ تَرَدَّدَ زَمَنًا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمَّا رَأَى قَوْمَهُ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرًّا عَلَى النِّفَاقِ.
وَيَظْهَرُ أَنَّ قِصَّةَ أَمَتِهِ حَدَثَتْ فِي مُدَّةِ صَرَاحَةِ كُفْرِهِ لِمَا عَلِمْتَ مِمَّا رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ أُبَيٍّ حِينَ نَزَلَتْ: مَنْ يَعْذُرُنَا مِنْ مُحَمَّدٍ يَغْلِبُنَا عَلَى مَمَالِيكِنَا، وَنُزُولُ سُورَةِ النُّورِ كَانَ فِي حُدُودِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا عَلِمْتَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْبِغَاءَ الَّذِي هُوَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ اسْتَمَرَّ زَمَنًا بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِنَحْوِ سَنَةٍ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبِغَاءَ يَمُتُّ إِلَى الزِّنَى بِشَبَهٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْأَنْسَابِ لِلِاخْتِلَاطِ وَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ الزِّنَى فِي خَرْمِ كُلِّيَّةِ حِفْظِ النَّسَبِ مِنْ حَيْثُ كَانَ الزِّنَى سِرًّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنِ اقْتَرَفَهُ وَكَانَ الْبِغَاءُ عَلَنًا، وَكَانُوا يَرْجِعُونَ فِي إِلْحَاق الْأَبْنَاء الَّذين تَلِدُهُمُ الْبَغَايَا بِآبَائِهِمْ إِلَى إِقْرَارِ الْبَغِيِّ بِأَنَّ الْحَمْلَ مِمَّنْ تُعَيِّنُهُ. وَاصْطَلَحُوا عَلَى الْأَخْذِ بِذَلِكَ فِي النَّسَبِ فَكَانَ شَبِيهًا بِالِاسْتِلْحَاقِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْبَغَايَا مَنْ لَا ضَبْطَ لَهَا فِي هَذَا الشَّأْنِ فَيُفْضِي الْأَمْرُ إِلَى عَدَمِ الْتِحَاقِ الْوَلَدِ بِأَحَدٍ.
وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الزِّنَى كَانَ مُحَرَّمًا تَحْرِيمًا شَدِيدًا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ مَبْدَأِ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ. وَكَانَتْ عُقُوبَتُهُ فُرِضَتْ فِي حُدُودِ السَّنَةِ الْأَوْلَى بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِنُزُولِ سُورَةِ النُّورِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِهَا. وَقَدْ أَثْبَتَتْ عَائِشَةُ أَنَّ الْإِسْلَامَ هَدَمَ أَنْكِحَةَ الْجَاهِلِيَّةِ الثَّلَاثَةَ وَأَبْقَى النِّكَاحَ الْمَعْرُوفَ وَلَكِنَّهَا لَمْ تُعَيِّنْ ضَبْطَ زَمَانِ ذَلِكَ الْهَدْمِ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 18  صفحه : 225
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست