responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 17  صفحه : 103
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، أَيْ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى خِطَابِ بَعْضٍ وَأَعْرَضُوا عَنْ مُخَاطَبَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [النُّور: 61] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النِّسَاء: 29] ، أَيْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ.
وَضَمَائِرُ الْجَمْعِ مُرَادٌ مِنْهَا التَّوْزِيعُ كَمَا فِي: رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى نَفْسِهِ، أَيْ تَرَكَ التَّأَمُّلَ فِي تُهْمَةِ إِبْرَاهِيمَ وَتَدَبَّرَ فِي دِفَاعِ إِبْرَاهِيمَ.
فَلَاحَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بَرِيءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. وَضَمَائِرُ الْجَمْعِ جَارِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا الْمَعْرُوفِ. وَالْجُمْلَةُ مُفِيدَةٌ لِلْحَصْرِ، أَيْ أَنْتُمْ ظَالِمُونَ لَا إِبْرَاهِيمُ لِأَنَّكُمْ أَلْصَقْتُمْ بِهِ التُّهْمَةَ بِأَنَّهُ ظَلَمَ أَصْنَامَنَا مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ نَسْأَلَهَا عَمَّنْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ كَبِيرُهُمْ.
وَالرُّجُوعُ إِلَى أَنْفُسِهِمْ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ مُسْتَعَارٌ لِشَغْلِ الْبَالِ بِشَيْءٍ عَقِبَ شَغْلِهِ بِالْغَيْرِ، كَمَا يَرْجِعُ الْمَرْءُ إِلَى بَيْتِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ إِلَى مَكَانِ غَيْرِهِ.
وَفِعْلُ نُكِسُوا مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، أَيْ نَكَسَهُمْ نَاكِسٌ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ النَّكْسِ فَاعِلٌ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ بُنِيَ الْفِعْلُ لِلْمَجْهُولِ فَصَارَ بِمَعْنَى: انْتَكَسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ. وَهَذَا تَمْثِيلٌ.
وَالنَّكْسُ: قَلْبُ أَعْلَى الشَّيْءِ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، يُقَالُ: صُلِبَ اللِّصُّ مَنْكُوسًا، أَيْ مَجْعُولًا رَأْسُهُ مُبَاشِرًا لِلْأَرْضِ، وَهُوَ أَقْبَحُ هَيْئَاتِ الْمَصْلُوبِ. وَلَمَّا كَانَ شَأْنُ انْتِصَابِ جِسْمِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَصِبًا عَلَى قَدَمَيْهِ فَإِذَا نُكِّسَ صَارَ انْتِصَابُهُ كَأَنَّهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَكَانَ قَوْلُهُ
هُنَا نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ تَمْثِيلًا لِتَغَيُّرِ رَأْيِهِمْ عَنِ الصَّوَابِ كَمَا قَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ إِلَى مُعَاوَدَةِ الضَّلَالِ بِهَيْئَةِ مَنْ تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُهُمْ مِنَ الِانْتِصَابِ عَلَى الْأَرْجُلِ إِلَى الِانْتِصَابِ عَلَى الرُّؤُوسِ مَنْكُوسِينَ. فَهُوَ مِنْ تَمْثِيلِ الْمَعْقُولِ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 17  صفحه : 103
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست