responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 15  صفحه : 54
أَنَّ قَوْلَهُ: أَمَرْنا مُتْرَفِيها
هُوَ جَوَابُ (إِذَا) فَيَقْتَضِي أَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ إِهْلَاكَهَا سَابِقَةٌ عَلَى حُصُولِ أَمْرِ الْمُتْرَفِينَ سَبْقَ الشَّرْطِ لِجَوَابِهِ، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ تَتَعَلَّقُ بِإِهْلَاكِ الْقَرْيَةِ ابْتِدَاءً فَيَأْمُرُ اللَّهُ مُتْرَفِي أَهْلِ الْقَرْيَةِ فَيَفْسُقُوا فِيهَا فَيَحِقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ الَّذِي هُوَ مَظْهَرُ إِرَادَةِ اللَّهِ إِهْلَاكَهُمْ، مَعَ أَنَّ مَجْرَى الْعَقْلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ فُسُوقُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَكُفْرُهُمْ هُوَ سَبَبَ وُقُوعِ إِرَادَةِ اللَّهِ إِهْلَاكَهُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا تَتَعَلَّقُ إِرَادَتُهُ بِإِهْلَاكِ قَوْمٍ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ مَا تَوَعَّدَهُمْ عَلَيْهِ لَا الْعَكْسُ. وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ اللَّهِ أَنْ يُرِيدَ إِهْلَاكَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِمَا يُسَبِّبُهُ، وَلَا مِنِ الْحِكْمَةِ أَنْ يَسُوقَهُمْ إِلَى مَا يُفْضِي إِلَى مُؤَاخَذَتِهِمْ لِيُحَقِّقَ سَبَبًا لِإِهْلَاكِهِمْ.
وَقَرِينَةُ السِّيَاقِ وَاضِحَةٌ فِي هَذَا، فَبِنَا أَنْ نَجْعَلَ الْوَاوَ عَاطِفَةً فِعْلَ أَمَرْنا مُتْرَفِيها
عَلَى نَبْعَثَ رَسُولًا فَإِنَّ الْأَفْعَالَ يُعْطَفُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ سَوَاءٌ أَتَحَدَّتْ فِي اللَّوَازِمِ أَمِ اخْتَلَفَتْ، فَيَكُونُ أَصْلُ نَظْمِ الْكَلَامِ هَكَذَا: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وَنَأْمُرَ مُتْرَفِي قَرْيَةٍ بِمَا نَأْمُرُهُمْ بِهِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ فَيَفْسُقُوا عَنْ أَمْرِنَا فَيَحِقَّ عَلَيْهِمْ الْوَعِيدُ فَنُهْلِكُهُمْ إِذَا أَرَدْنَا إِهْلَاكَهُمْ.
فَكَانَ وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً
شَرِيطَةً لِحُصُولِ الْإِهْلَاكِ، أَيْ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَلَا مكره لَهُ، كم دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ: أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ [آل عمرَان: 127- 128] وَقَوْلِهِ: أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ [الْأَعْرَاف: 100] وَقَوْلِهِ: وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلًا [الْإِنْسَان:
28] وَقَوْلِهِ: عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الْإِسْرَاء: 18] . فَذَكَرَ شَرِيطَةَ الْمَشِيئَةِ مَرَّتَيْنِ.
وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ نَظْمِ الْكَلَامِ بِهَذَا الْأُسْلُوبِ إِلَى الْأُسْلُوبِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْآيَةُ لِإِدْمَاجِ التَّعْرِيضِ بِتَهْدِيدِ أَهْلِ مَكَّةَ بِأَنَّهُمْ مُعَرَّضُونَ لِمِثْلِ هَذَا مِمَّا حَلَّ بِأَهْلِ الْقُرَى الَّتِي كَذَّبَتْ رُسُلَ اللَّهِ.
وَلِلْمُفَسِّرِينَ طَرَائِقُ كَثِيرَةٌ تَزِيدُ عَلَى ثَمَانٍ لِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ مُتَعَسِّفَةٌ أَوْ مَدْخُولَةٌ، وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ، وَأَقْرَبُهَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَ جُمْلَةَ أَمَرْنا مُتْرَفِيها
إِلَخْ صِفَةً لِ قَرْيَةً
وَجَعَلَ جَوَابَ (إِذَا) مَحْذُوفًا.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 15  صفحه : 54
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست