responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 15  صفحه : 257
وَقَدْ جَاءَ نَظْمُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أُسْلُوبِ الْإِعْجَازِ فِي جَمْعِ مُعَانٍ كَثِيرَةٍ يَصْلُحُ اللَّفْظُ لَهَا من مُخْتَلف الْأَغْرَاض الْمَقْصُودَةِ، فَإِنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ خَلْقِ مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً يَجْمَعُ الِامْتِنَانَ عَلَى النَّاسِ وَالتَّذْكِيرَ بِبَدِيعِ صُنْعِ اللَّهِ إِذْ وَضَعَ هَذَا الْعَالَمَ عَلَى أَتْقَنِ مِثَالٍ مُلَائِمٍ لِمَا تُحِبُّهُ النُّفُوسُ مِنَ الزِّينَةِ وَالزُّخْرُفِ. وَالِامْتِنَانُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرٌ، مِثْلُ قَوْلِهِ: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ [النَّحْل: 6] ، وَقَالَ: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ [آل عمرَان: 14] .
وَلَا تَكُونُ الْأَشْيَاءُ زِينَةً إِلَّا وَهِيَ مَبْثُوثَةٌ فِيهَا الْحَيَاةُ الَّتِي بِهَا نَمَاؤُهَا وَازْدِهَارُهَا. وَهَذِهِ الزِّينَةُ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُنْذُ رَآهَا الْإِنْسَانُ، وَاسْتِمْرَارُهَا بِاسْتِمْرَارِ أَنْوَاعِهَا وَإِنْ كَانَ الزَّوَالُ يَعْرِضُ لِأَشْخَاصِهَا فَتَخْلُفُهَا أَشْخَاصٌ أُخْرَى مِنْ نَوْعِهَا. فَيَتَضَمَّنُ هَذَا امْتِنَانًا بِبَثِّ الْحَيَاةِ فِي الْمَوْجُودَاتِ الْأَرْضِيَّةِ.
وَمِنْ لَوَازِمِ هَذِهِ الزِّينَةِ أَنَّهَا تُوقِظُ الْعُقُولَ إِلَى النَّظَرِ فِي وُجُودِ مُنْشِئِهَا وَتَسْبُرُ غَوْرَ النُّفُوسِ فِي مِقْدَارِ الشُّكْرِ لِخَالِقِهَا وَجَاعِلِهَا لَهُمْ، فَمِنْ مُوفٍ بِحَقِّ الشُّكْرِ، وَمُقَصِّرٍ فِيهِ وَجَاحِدٍ كَافِرٍ بِنِعْمَةِ هَذَا الْمُنْعِمِ نَاسِبٍ إِيَّاهَا إِلَى غَيْرِ مُوجِدِهَا. وَمِنْ لَوَازِمِهَا أَيْضًا أَنَّهَا تُثِيرُ الشَّهَوَاتِ لِاقْتِطَافِهَا وَتَنَاوُلِهَا فَتُسْتَثَارُ مِنْ ذَلِكَ مُخْتَلِفُ الْكَيْفِيَّاتِ فِي تَنَاوُلِهَا وَتَعَارُضُ الشَّهَوَاتِ فِي الِاسْتِيثَارِ بِهَا مِمَّا يُفْضِي إِلَى تَغَالُبِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَاعْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَذَلِكَ الَّذِي أَوْجَدَ حَاجَتَهُمْ إِلَى الشَّرَائِعِ لِتَضْبِطَ لَهُمْ أَحْوَالَ مُعَامَلَاتِهِمْ، وَلِذَلِكَ عَلَّلَ جَعْلَ مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً بِقَوْلِهِ: لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، أَيْ أَفْوَتُ فِي حسن الْعَمَل مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ الرَّاجِعِ إِلَى الْإِيمَان وَالْكفْر، وَعلم الْجَسَدِ الْمُتَبَدِّي فِي الِامْتِثَالِ لِلْحَقِّ وَالْحَيْدَةِ عَنْهُ.
فَمَجْمُوعُ النَّاسِ مُتَفَاوِتُونَ فِي حُسْنِ الْعَمَلِ. وَمِنْ دَرَجَاتِ التَّفَاوُتِ فِي هَذَا الْحُسْنِ تُعْلَمُ بِطَرِيقِ الْفَحْوَى دَرَجَةَ انْعِدَامِ الْحُسْنِ مِنْ أَصْلِهِ وَهِيَ حَالَةُ الْكُفْرِ وَسُوءِ الْعَمَلِ، كَمَا
جَاءَ فِي حَدِيثِ «.. مَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يُقْرَأُ الْقُرْآنَ..»
.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 15  صفحه : 257
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست