responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 104
اعْتِبَارٌ بِهَذَا التَّكْوِينِ الْعَجِيبِ لِشَبَهِهِ بِتَكْوِينِ الْإِنْسَانِ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ خَلَقَها بِمُتَعَلِّقَاتِهَا مُسْتَأْنَفَةٌ، فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الِامْتِنَانُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَيَكُونُ نَصْبُ الْأَنْعامَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ عَلَى طَرِيقَةِ الِاشْتِغَالِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَخَلَقَ الْأَنْعَامَ خَلَقَهَا. فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُفِيدًا لِلتَّأْكِيدِ لِقَصْدِ تَقْوِيَةِ الْحُكْمِ اهْتِمَامًا بِمَا فِي الْأَنْعَامِ مِنَ الْفَوَائِدِ فَيَكُونُ امْتِنَانًا عَلَى الْمُخَاطَبِينَ، وَتَعْرِيضًا بِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَفَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ بِخَلْقِهَا فَجَعَلُوا مِنْ نِتَاجِهَا لِشُرَكَائِهِمْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ نَصِيبًا. وَأَيُّ كُفْرَانٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُتَقَرَّبَ بِالْمَخْلُوقَاتِ إِلَى غَيْرِ مَنْ خَلَقَهَا. وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ حَصْرٌ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ.
وَجُمْلَةُ لَكُمْ فِيها دِفْءٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي خَلَقَها عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ إِلَّا أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ تَمَامُ مُقَابَلَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [سُورَة النَّحْل: 4] مِنْ حَيْثُ حُصُولِ الِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءً ثُمَّ التَّعْرِيضِ بِالْكُفْرَانِ ثَانِيًا، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الثَّانِي فَإِنَّ صَرِيحَهُ الِامْتِنَانُ، وَيَحْصُلُ الِاعْتِبَارُ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ مِنْ الِاهْتِمَامِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها وَمَا بَعْدَهُ إِدْمَاجٌ لِلِامْتِنَانِ.
والْأَنْعامَ: الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَالْمَعِزُ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ. وَأَشْهَرُ الْأَنْعَامِ عِنْدَ الْعَرَبِ الْإِبِلُ، وَلِذَلِكَ يَغْلِبُ أَنْ يُطْلَقَ لَفْظُ الْأَنْعَامِ عِنْدَهُمْ عَلَى الْإِبِلِ.
وَالْخِطَابُ صَالِحٌ لِشُمُولِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُمُ الْمَقْصُودُ ابْتِدَاءً مِنْ الِاسْتِدْلَالِ، وَأَنْ يَشْمَلَ جَمِيعَ النَّاسِ وَلَا سِيَّمَا فِيمَا تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ مِنْ الِامْتِنَانِ.
وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنْ طَرِيقِ الْغَيْبَةِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: عَمَّا يُشْرِكُونَ [سُورَة النَّحْل:
3] بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْمُخَاطَبِينَ.
وَالدِّفْءُ- بِكَسْرِ الدَّالِ- اسْمٌ لِمَا يُتَدَفَّأُ بِهِ كَالْمِلْءِ وَالْحِمْلِ. وَهُوَ الثِّيَابُ الْمَنْسُوجَةُ مِنْ أَوْبَارِ الْأَنْعَامِ وَأَصْوَافِهَا وَأَشْعَارِهَا تُتَّخَذُ مِنْهَا الْخِيَامُ وَالْمَلَابِسُ.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 14  صفحه : 104
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست