responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 96
أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ فَتَيَمَّمَ وَقَالَ: اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً [النِّسَاء: 29] مَعَ أَنَّ مَوْرِدَ الْآيَةِ أَصْلُهُ فِي النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَقْتُلَ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا فُتِحَتِ الْعِرَاقُ وَسَأَلَهُ جَيْشُ الْفَتْحِ قِسْمَةَ أَرْضِ السَّوَادِ بَيْنَهُمْ قَالَ: «إِنْ قَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ لَمْ يَجِدِ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَكُمْ مِنَ الْبِلَادِ الْمَفْتُوحَةِ مِثْلَ مَا وَجَدْتُمْ فَأَرَى أَنْ أَجْعَلَهَا خَرَاجًا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ يُقْسَمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كُلَّ مَوْسِمٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُول: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الْحَشْر: 10] وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي فَيْءِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِ الْمَذْكُورِينَ هُمُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ.
وَكَذَلِكَ اسْتِنْبَاطُ عُمَرَ ابْتِدَاءَ التَّارِيخِ بِيَوْمِ الْهِجْرَةِ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ [التَّوْبَة: 108] فَإِنَّ الْمَعْنَى الْأَصْلِيَّ أَنَّهُ أُسِّسَ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ تَأْسِيسِهِ، وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أُسِّسَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ أَيْ أَحَقُّ الْأَيَّامِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ أَيَّامِ الْإِسْلَامِ فَتَكُونُ الْأَوَّلِيَّةُ نِسْبِيَّةً.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ فُقَهَاؤُنَا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْجَعَالَةِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الْكَفَالَةِ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يُوسُف: 72] كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّالِثَةِ، مَعَ أَنَّهُ حِكَايَةُ قِصَّةٍ مَضَتْ فِي أُمَّةٍ خَلَتْ لَيْسَتْ فِي سِيَاقِ تَقْرِيرٍ وَلَا إِنْكَارٍ، وَلَا هِيَ مِنْ شَرِيعَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، إِلَّا أَنَّ الْقُرْآنَ ذَكَرَهَا وَلَمْ يُعْقِبْهَا بِإِنْكَارٍ.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَتَحْرِيمِ خَرْقِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً [النِّسَاء: 115] مَعَ أَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ فِي أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ مُشَاقَّةٌ خَاصَّةٌ وَاتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلٍ خَاصٍّ وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ مِنْ كَمَالِ الْآيَةِ.
وَإِنَّ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةَ إِذَا اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَةِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ اخْتِلَافًا يُفْضِي إِلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي لَمِمَّا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا الْأَصْلِ.
ثُمَّ إِنَّ مَعَانِيَ التَّرْكِيبِ الْمُحْتَمِلِ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ فَهَذَا النَّوْعُ لَا تَرَدُّدَ فِي حَمْلِ التَّرْكِيبِ عَلَى جَمِيعِ مَا يَحْتَمِلُهُ، مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ بَعْضِ تِلْكَ الْمَحَامِلِ صَارِفٌ لَفْظِيٌّ أَوْ مَعْنَوِيٌّ، مِثْلَ حَمْلِ الْجِهَادِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ فِي سُورَةِ العنكبوت [6] على معنيي مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ فِي إِقَامَةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَمُقَاتَلَةِ الْأَعْدَاءِ فِي الذَّبِّ عَنْ حَوْزَةِ الْإِسْلَامِ. وَقد يكون بَينهَا التَّغَايُرُ، بِحَيْثُ يَكُونُ تَعْيِينُ التَّرْكِيبِ لِلْبَعْضِ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 96
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست