responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 8
وَكَمْ مِنْ فَهْمٍ تَسْتَظْهِرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَكَ إِلَيْهِ مُتَفَهِّمٌ، وَقَدِيمًا قِيلَ:
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ

إِنَّ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ وَمَقَاصِدَهُ ذَاتُ أَفَانِينَ كَثِيرَةٍ بَعِيدَةِ الْمَدَى مُتَرَامِيَةِ الْأَطْرَافِ مُوَزَّعَةٍ عَلَى آيَاتِهِ فَالْأَحْكَامُ مُبَيَّنَةٌ فِي آيَاتِ الْأَحْكَامِ، وَالْآدَابُ فِي آيَاتِهَا، وَالْقِصَصُ فِي مَوَاقِعِهَا، وَرُبَّمَا اشْتَمَلَتِ الْآيَةُ الْوَاحِدَةُ عَلَى فَنَّيْنِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ. وَقَدْ نَحَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بَعْضَ تِلْكَ الْأَفْنَانِ، وَلَكِنَّ فَنًّا مِنْ فُنُونِ الْقُرْآنِ لَا تَخْلُو عَنْ دَقَائِقِهِ وَنُكَتِهِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ فَنُّ دَقَائِقِ الْبَلَاغَةِ هُوَ الَّذِي لَمْ يَخُصَّهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِكِتَابٍ كَمَا خَصُّوا الْأَفَانِينَ الْأُخْرَى، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْتَزَمْتُ أَنْ لَا أُغْفِلَ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا يَلُوحُ لِي مِنْ هَذَا الْفَنِّ الْعَظِيمِ فِي آيَةٍ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ كُلَّمَا أُلْهِمْتُهُ بِحَسَبِ مَبْلَغِ الْفَهْمِ وَطَاقَةِ التَّدَبُّرِ.
وَقَدِ اهْتَمَمْتُ فِي تَفْسِيرِي هَذَا بِبَيَانِ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ وَنُكَتِ الْبَلَاغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِ الِاسْتِعْمَالِ، وَاهْتَمَمْتُ أَيْضًا بِبَيَانِ تَنَاسُبِ اتِّصَالِ الْآيِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَهُوَ مَنْزَعٌ جَلِيلٌ قَدْ عُنِيَ بِهِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ، وَأَلَّفَ فِيهِ بُرْهَانُ الدِّينِ الْبِقَاعِيُّ كِتَابَهُ الْمُسَمَّى: «نَظْمَ الدُّرَرِ فِي تَنَاسُبِ الْآيِ وَالسُّورِ» إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَأْتِيَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيِ بِمَا فِيهِ مَقْنَعٌ، فَلَمْ تَزَلْ أنظار المتأملين لفضل الْقَوْلِ تَتَطَلَّعُ. أَمَّا الْبَحْثُ عَنْ تَنَاسُبِ مَوَاقِعِ السُّورِ بَعْضِهَا إِثْرَ بَعْضٍ، فَلَا أَرَاهُ حَقًّا عَلَى الْمُفَسِّرِ.
وَلَمْ أُغَادِرْ سُورَةً إِلَّا بَيَّنْتُ مَا أُحِيطُ بِهِ مِنْ أَغْرَاضِهَا لِئَلَّا يَكُونَ النَّاظِرُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مَقْصُورًا عَلَى بَيَانِ مُفْرَدَاتِهِ وَمَعَانِي جُمَلِهِ كَأَنَّهَا فِقَرٌ مُتَفَرِّقَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ رَوْعَةِ انْسِجَامِهِ وَتَحْجُبُ عَنْهُ رَوَائِعَ جَمَالِهِ.
وَاهْتَمَمْتُ بِتَبْيِينِ مَعَانِي الْمُفْرَدَاتِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِضَبْطٍ وَتَحْقِيقٍ مِمَّا خَلَتْ عَنْ ضَبْطِ كَثِيرٍ مِنْهُ قَوَامِيسُ اللُّغَةِ. وَعَسَى أَنْ يَجِدَ فِيهِ الْمُطَالِعُ تَحْقِيقَ مُرَادِهِ، وَيَتَنَاوَلَ مِنْهُ فَوَائِدَ وَنُكَتًا عَلَى قَدْرِ اسْتِعْدَادِهِ، فَإِنِّي بَذَلْتُ الْجُهْدَ فِي الْكَشْفِ عَنْ نُكَتٍ مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَإِعْجَازِهِ خَلَتْ عَنْهَا التَّفَاسِيرُ، وَمِنْ أَسَالِيبِ الِاسْتِعْمَالِ الْفَصِيحِ مَا تَصْبُو إِلَيْهِ هِمَمُ النَّحَارِيرِ، بِحَيْثُ سَاوَى هَذَا التَّفْسِيرُ عَلَى اخْتِصَارِهِ مُطَوَّلَاتِ الْقَمَاطِيرِ، فَفِيهِ أَحْسَنُ مَا فِي التَّفَاسِيرِ، وَفِيهِ أَحْسَنُ مِمَّا فِي التَّفَاسِيرِ. وَسَمَّيْتُهُ: «تَحْرِيرَ الْمَعْنَى السَّدِيدِ وَتَنْوِيرَ الْعَقْلِ الْجَدِيدِ مِنْ تَفْسِيرِ الْكِتَابِ الْمَجِيدِ» .
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 8
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست