responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 474
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)
اعْتِرَاضٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [الْبَقَرَة: 43] وَقَوْلِهِ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [الْبَقَرَة: 45] وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي وُقُوعِهِ هُنَا أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِفِعْلِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَذَيَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [الْبَقَرَة: 43] لِيُشِيرَ إِلَى أَن صَلَاتِهِمُ الَّتِي يَفْعَلُونَهَا أَصْبَحَتْ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ، نَاسَبَ أَنْ يُزَادَ لِذَلِكَ أَنَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ دِينُهُمْ مِنَ الْبِرِّ لَيْسُوا قَائِمِينَ بِهِ عَلَى مَا يَنْبَغِي، فَجِيءَ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى كَوْنِهِ اعْتِرَاضًا لَمْ يُقْرَنْ بِالْوَاوِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ التَّحْرِيضُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْبِرِّ وَعَلَى مُلَازَمَتِهِ، وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا هُوَ النِّدَاءُ عَلَى كَمَالِ خَسَارِهِمْ وَمَبْلَغِ سُوءِ حَالِهِمُ الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ حَتَّى صَارُوا يَقُومُونَ بِالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ كَمَا يَقُومُ الصَّانِعُ بِصِنَاعَتِهِ وَالتَّاجِرُ بِتِجَارَتِهِ لَا يَقْصِدُونَ إِلَّا إِيفَاءَ وَظَائِفِهِمُ الدِّينِيَّةِ حَقَّهَا لِيَسْتَحِقُّوا بِذَلِكَ مَا يُعَوَّضُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَاتِبَ وَرَوَاتِبَ فَهُمْ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى حَالِ أَنْفُسِهِمْ تُجَاهَ تِلْكَ الْأَوَامِرِ الَّتِي يَأْمُرُونَ بِهَا النَّاسَ.
وَالْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: أَتَأْمُرُونَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ خُوطِبُوا مِنْ قَبْلُ، فَيَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ ثَابِتَةٌ لِجَمِيعِهِمْ أَيْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَجِدُهُ يُصَرِّحُ بِأَوَامِرِ دِينِهِمْ وَيُشِيعُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلَا يَمْتَثِلُهَا هُوَ فِي نَفْسِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْخِطَابِ فَرِيقًا مِنْهُمْ فَإِنَّ الْخِطَابَ الْمُوَجَّهَ لِلْجَمَاعَاتِ وَالْقَبَائِلِ يَأْخُذُ كُلُّ فَرِيقٍ مَا هُوَ حَظُّهُ مِنْ ذَلِكَ الْخِطَابِ، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَحْبَارَهُمْ وَعُلَمَاءَهُمْ وَهُمْ أَخَصُّ بِالْأَمْرِ بِالْبِرِّ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ إِمَّا الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ فَإِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَذْكُرُونَ لَهُمْ مَا جَاءَ بِهِ دِينُهُمْ وَالْعرب كَانُوا يحفلون بِسَمَاعِ أَقْوَالِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [الْبَقَرَة: 89] وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ (النَّاس) من عدا الْأَمْرَ كَمَا تَقُولُ أَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ وَكَقَوْلِهِ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمرَان: 173] أَيْ أَيَأْمُرُ الْوَاحِدُ غَيْرَهُ وَيَنْسَى نَفْسَهُ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ الْعَامَّةَ مِنْ أُمَّةِ الْيَهُودِ أَيْ كَيْفَ تَأْمُرُونَ أَتْبَاعَكُمْ وَعَامَّتَكُمْ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ؟ فَفِيهِ تَنْدِيدٌ بِحَالِ أَحْبَارِهِمْ أَوْ تَعْرِيضٌ بِأَنَّهُمْ
يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ الْإِسْلَامِ هُوَ الْحَقُّ فَهُمْ يَأْمُرُونَ أَتْبَاعَهُمْ بِالْمَوَاعِظِ وَلَا يَطْلُبُونَ نَجَاةَ أَنْفُسِهِمْ.
وَالِاسْتِفْهَامُ هُنَا لِلتَّوْبِيخِ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْحَقِيقِيِّ فَاسْتُعْمِلَ فِي التَّوْبِيخِ
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 474
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست